تهدئة الخلاف بين الهند وباكستان تقوي نفوذ السعودية وتعطي دفعة لاستراتيجية تطويق إيران.
 

 راهنت إيران على إرباك زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى باكستان والهند بالتشويش عليها والتغطية على نتائجها ذات البعد الاستراتيجي من خلال صرف الأنظار عنها عبر افتعال اتهامات لباكستان والسعودية والإمارات بالوقوف وراء التفجير الذي أدى إلى مقتل 27 عنصرا من الحرس الثوري.

وتتخوف إيران مما هو أبعد من إمضاء اتفاقيات ذات بعد اقتصادي بين الرياض وإسلام أباد، وهو ما ظهرت نتائجه في اليوم الأخير للزيارة التي فتحت أبوابا كبيرة للنفوذ السعودي في منطقة تعدّ شريان حياة رئيسيا لطهران ومنفذها الوحيد للتهرب من العقوبات الأميركية المشدّدة على قطاع النفط الإيراني.

وتعهدت الرياض بالمساعدة على “خفض التصعيد” بين إسلام أباد ونيودلهي خلال قمة عقدت في باكستان، الاثنين، قبل أن يتوجه ولي العهد السعودي إلى الهند، المحطة الثانية في جولته الآسيوية التي تشمل الصين أيضا.

وأعلن ذلك وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير خلال مؤتمر صحافي في إسلام أباد، بينما استدعت باكستان سفيرها لدى نيودلهي “للتشاور”، في آخر تطور يطرأ على الأزمة الدبلوماسية بين الجارتين النوويتين.

ويعتقد مراقبون أن السعودية يمكن أن تنجح في تبريد الخلافات بين الهند وباكستان لاعتبار ثقلها الاستثماري وقدرتها على تحقيق التوازن في علاقتها بـ”العدوين اللدودين”، فضلا عن أنها قادرة على توفير النفط بأسعار معقولة لأي منهما في حال مرّ الحظر الأميركي على النفط الإيراني إلى مداه الأقصى.
 
وفي مقابل جدية العلاقة مع السعودية، لا يبدو أن إيران قادرة على تقديم دعم مالي واستثماري جدي للدولتين الجارتين، وعلى العكس فهي تنظر إليهما كداعمتين لها في مواجهة العقوبات الأميركية.
 
وقال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إن “هدفنا يتمثل بمحاولة خفض تصعيد التوترات بين البلدين الجارين والبحث عن مسار لحل هذه الخلافات سلميا”.
 
وبعد التعهد بـ”خفض التصعيد”، عقد ولي العهد السعودي سلسلة لقاءات، بعد ظهر الاثنين، مع القيادة الباكستانية قبل أن يحلّق متوجها إلى الهند.
 
ووقّع الأمير محمد بن سلمان اتفاقيات استثمارية مع إسلام أباد بقيمة 20 مليار دولار وتعهد بالإفراج عن الآلاف من السجناء الباكستانيين الموقوفين في السعودية.
 
وتواجه إسلام أباد أزمة جدية تتعلق بميزان مدفوعاتها وتأمل في أن تعزز الاتفاقيات الضخمة التي شملت سبع اتفاقيات ومذكرات تفاهم تم توقيعها خلال الزيارة، اقتصادها المتعثر.
 
وحظي ولي العهد السعودي باستقبال حافل شارك فيه رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان وشمل 21 طلقة تحية ومرافقة من طائرات عسكرية وحرس الشرف.
 
ومنح الأمير محمد بن سلمان أرفع وسام مدني يطلق عليه “نيشان باكستان”، الاثنين، قبل توجهه إلى الهند للقاء رئيس الوزراء ناريندرا مودي.
 
وبعد الهند، يتوقع أن يختتم ولي العهد السعودي جولته الآسيوية بزيارة إلى الصين، الخميس والجمعة.
 
وقال محللون إن الجولة جزء من ميل دول الخليج نحو آسيا التي باتت تعدّ سوقا نفطيا متناميا. لكنها تهدف كذلك إلى أن تظهر للغرب أن الرياض قادرة على إنجاح الخيار الذي تبنته خلال فترة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما والذي يقوم على تنويع الحلفاء وعدم الاقتصار على شريك اقتصادي أو عسكري واحد.

وتبحث الرياض، كما عواصم خليجية أخرى، عن الخروج من الصورة التقليدية التي رسمت لها، والتي تبدو فيها كدول استهلاكية. وقد أظهرت السنوات القليلة الماضية أن السعودية الجديدة لم تعد تكتفي بمراكمة الأسلحة ومنتجات الشركات الكبرى، بل تخطط بجدية كبيرة وتضخ لأجل ذلك ميزانيات كبرى لأجل توطين الصناعة.

وبدأت السعودية الجديدة في وضع بصمة خاصة تهدف إلى تثبيت دور مؤثر للمملكة في القضايا الإقليمية بما يتماشى مع قوتها المالية والاستثمارية ونفوذها في سوق النفط، فضلا عن وزنها الديني. ونتائج هذا الخيار الاستراتيجي بدأت تقلق إيران التي تنظر إلى السعودية كقوة إقليمية أساسية يمكن أن تهدّد مشروعها الطائفي في المنطقة.

ويشير المحللون إلى أن محاولة التشويش على جولة ولي العهد السعودي الإقليمية بافتعال علاقة باكستان بالتفجير الذي طال عناصر من الحرس الثوري، تظهر قلقا إيرانيا كبيرا من انفتاح الرياض على قوى إقليمية جغرافيا وبشريا واقتصاديا، وأن ذلك قد يساعدها على تنفيذ استراتيجية تطويق إيران، وهو تمش بدأته السعودية في اليمن ولبنان وما فتئ يتطور ليصبح خيارا عربيا أوسع يضغط لإخراج إيران من سوريا والعراق وجعلها تنكفئ على قضاياها المحلية.

ووجهت إيران أصابع الاتهام إلى باكستان بحماية المسلحين الذين نفذوا هجوما أسفر عن مقتل 27 من عناصر الحرس الثوري الإيراني الأسبوع الماضي، وتعهد محمد علي جعفري قائد قوات الحرس الثوري كذلك بجعل باكستان تدفع الثمن.

لكن إسلام أباد حظيت بدعم من الجبير في هذا السياق، الذي وصف طهران، خلال مؤتمر صحافي الاثنين، بأنها “الراعي الأول للإرهاب”.

وأشار الجبير كذلك إلى أن الرياض تواصل المشاركة في جهود واشنطن المستمرة منذ أشهر والهادفة إلى إنهاء الحرب في أفغانستان التي أكد أن استقرارها “سيفيد (….) المنطقة برمتها”.