تتخوّف المصادر من تكرار ما جرى بين ترامب وكوريا الشمالية. فالتوتر القائم اليوم بين إيران والولايات المتحدة، على خلفية الملف النووي الإيراني، يبقى أدنى بكثير من التوتر الذي شهدته العلاقات الأميركية مع كوريا الشمالية طوال العام 2017، على خلفيةٍ نوويةٍ أيضاً.
لقد عمد الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون إلى تحدّي ترامب بتنفيذ تجربة نووية (قنبلة هيدروجينية) في أيلول ذلك العام، واختبر صاروخاً عابراً للقارات، وقال إنه قادرٌ على ضرب أيِّ مكان في الولايات المتحدة نفسها.
سخَّر ترامب كل ضغوط الأمم المتحدة، وحرَّض أوروبا على الانخراط في المواجهة مع كوريا. ولكن، مطلع 2018، بدأت تظهر فجأة ملامح الانعطاف في العلاقات الأميركية- الكورية الشمالية، من خلال تحسّن العلاقات مع كوريا الجنوبية. ثم بدأ تبادلُ الرسائل بين كيم وترامب إلى أن تمّت الصفقة ثنائياً في حزيران، فيما بقي الأوروبيون خارج المشهد.
كان لافتاً قول ترامب: «إنّ الصفات الشخصية التي تجمعني مع كيم جونغ أون لها دور حاسم في نجاح اللقاء به». وهذا الكلام يبدو دقيقاً لأنّ الرجلين يمتلكان مواصفات شخصية «غير تقليدية». فهما يلعبان على حافة الهاوية، ثم ينقلبان فجأة إلى خيارات أخرى. وهذا المناخ لا يشاركهما فيه قادةُ أوروبا. وبديهي أن يكون الأوروبيون أقرب إلى نهج باراك أوباما.
سبق هذا النموذج من التعاطي الترامبي مع كوريا الشمالية نموذج آخر مع المجموعة العربية. فبعد حملة انتخابية بدا فيها ترامب متحمِّساً جداً لخوض مواجهة خطرة مع «الأرضية العربية»، الخليجية تحديداً، لـ«لإرهاب الإسلامي»، وفي ظلّ ضغوط على المملكة العربية السعودية من خلال ملف 11 أيلول، قفز الرئيس الأميركي إلى الخليج العربي وقدّم تعهّداتٍ بالدعم والمساندة ضد إيران، وقطَفَ الثمار 450 مليار دولار، وعادت المياه إلى مجاريها.
في الملف السوري، يمارس ترامب اللعبة إياها. وها هي قواته تبدأ بالانسحاب، وما أثمانُ هذا الانسحاب أو العواقب التي ستتأتّى عنه؟ ولذلك، ليس واضحاً إذا كان قادة روسيا وإيران وتركيا قد تلاقوا للاتفاق على توزيع الحصص، بعد خروج الأميركيين، أم إنهم تلاقوا لمعالجة الهواجس التي ينذر بها الانسحاب الأميركي.
الخبراء يقولون إنّ ترامب يعتمد في نهجه السياسي أسلوبَ رجل الأعمال: يضغط على الطرف الآخر حتى يضعف، أو يتحطَّم، فيهرع إليه للمفاوضة وعقد الصفقات.
ولذلك، ليس مؤكداً أنّ تصعيدَ ترامب الذي يتجاوز كل السقوف أحياناً هو في الضرورة تصعيدٌ تدميري. وعلى الأرجح، ستليه صفقة تفاجئ «جمهور المشاهدين».
والسؤال اليوم هو: هل يكرِّر ترامب مع إيران اليوم تجربته مع كوريا الشمالية؟
الإيرانيون بادروا سريعاً إلى التأكيد: «لا تنفع معنا الضغوط. نحن لسنا كوريا الشمالية». وفي أيّ حال، يقدِّم الأوروبيون والروس والأتراك إلى إيران منافذ كثيرة لمواجهة الضغط الأميركي.
وهذا ما يثير غضبَ ترامب. وليس مستغرَباً التحليل الذي يشير إلى «ارتياح» إدارة ترامب إلى أزمات «السترات الصفر» التي يغرق فيها ماكرون،على الأقل «ارتياح»، والبعض يقول إنه تشجيع أيضاً.
ولكن، في لحظة معيّنة، وفي ذروة الضغوط الدولية عليهم، قد يجد الإيرانيون أنّ الصفقة مع الأميركيين قد أينعت وحان قطافُها. ومنسوبُ «البراغماتية» أو الماكيافيلية عندهم ليس أدنى منه عند ترامب. وقد يلتقي الطرفان ويفاجئان الجميع… ولا سيما بعض المشاركين المتحمّسين في مؤتمرَي وارسو وميونيخ.
البعض يراهن على أنّ تباشير المفاوضات لا بدّ أنها قد بدأت. وانطلاقاً منها يقرأون الكثير من المتغيّرات ويفسّرون الظواهر في سوريا ولبنان والعراق واليمن وسواها، في هذا الاتجاه أو ذاك.
ما هو مرجّح أنّ إيران ستُمنَع من بسط نفوذها بلا ضوابط في العديد من بلدان الشرق الأوسط. وهذا الأمر تريده إسرائيل والعرب حلفاء الولايات المتحدة.
لكنّ الصفقة الآتية بين إيران والولايات المتحدة ستمنحها حدّاً من المكاسب في النهاية. وأما الملف النووي فقد لا يكون أكثر من عنوان يجري استخدامُه لإتمام الصفقات وتمرير المخططات... لا أكثر ولا أقل. المهم فقط أن تطمئنّ إسرائيل، والباقي قابل للأخذ والردّ.