ليست لدى «حزب الله» ولا لدى جميع الذين سينخرطون في معركة مكافحة الفساد أوهام في أنهم سيحققون انتصاراً ساحقاً ماحقاً على هذا الفساد والفاسدين والمفسدين ويستردون المال العام المنهوب أو المهدور منذ عشرات السنين وإلى الآن، ولكن جلّ ما يطمحون إليه هو وضع حد لهذا الفساد وحماية المال العام من الآن وصاعداً.
يجزم عاملون بارزون على خطط ومشاريع مكافحة الفساد بأنهم لن يصلوا مع هذه المشاريع إلى حدود التسبّب بـ«حرب أهلية» جديدة في البلد، لأنّ العمل بمفاعيل رجعية في ملف الفساد قد يسقط كثيرين تحت الغربال عند إحصاء مَواطن الفساد والمفسدين وجوجلتها. إذ في حال الاندفاع في اتجاه محاسبة هؤلاء، أو على الأقل تحريك إجراءات قضائية أو إدارية أو غيرها لاسترجاع مال أو محاسبة على سطوٍ عليه أو تبديد له، ربما يقيم القيامة في البلد ولا يقعدها، خصوصاً إذا اندفع البعض ممّن يمكن ان توجّه أصابع الاتهام اليهم، إلى تطييف هذا الملف الحساس والخطير وتسييسه.
ولذلك، يضيف هؤلاء المعنيون، أنّ المراد من كل الخطط التي وضعت لمكافحة الفساد هو حماية المال العام، وأنّ المدى الذي سيصلون إليه في هذا الإتجاه مرهون بمدى تعاون الجميع.
ويضيف هؤلاء أنّ ما طرحه المُكلّف ملف مكافحة الفساد في «حزب الله» وكتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسن فضل الله في جلسة الثقة بالحكومة، كان «نذراً يسيراً» من ملفات فساد كبيرة وخطيرة. فالأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله شرح قبل أيام الاسباب والحيثيات التي تفرض التصدي للفساد، وقال: «بَدنا ناكل عنب ...»، وهذا يدلّ إلى أنّ أكل العنب يعني بالحد الأدنى وقف الفساد والهدر من دون «خراب البصرة»... ما يعني أنّ هذا الهدف إذا تحقق يُعتبر إنجازاً كبيراً لجهة الحفاظ على المال العام وترشيد إنفاقه.
ولذلك، يقول معنيون، انّ ملفات الفساد ستُرفع إلى المرجعية السياسية أو إلى القضاء أو إلى الإعلام، كل ملف بحسب طبيعته ومتطلبات معالجته، ولن يكون هناك من يسعى الى تسجيل نقاط في مواجهة الآخرين، «فالجدية عالية في التعاطي مع هذا الأمر عبر مستويات ثلاثة: الحكومة ومجلس النواب والقضاء.
وفي مرحلة أولى يمكن على الاقل الحد من الفساد والهدر، بدليل أنه بعد كلّ ما جرى لم يعد في إمكان المعنيين بملف الكهرباء الذهاب بالمناقصات والمشاريع التي كانوا يعملون عليها وهي موضوع اعتراض هنا او شبهة هناك، والأمر نفسه ينطبق على ملفات أخرى تعرقلت مناقصاتها أو أوقِف الإنفاق فيها، وذلك لأنّ المناخ الذي شَاع بفعل القرار بمكافحة الفساد فرضَ رهبة وهيبة جعلت كثيرين يتهيّبون ويراجعون حساباتهم ويحجمون عن اي محاولة للسطو على المال العام، عبر احتيال على قوانين او التخفي خلف صفقات مشبوهة.
وأكثر من ذلك، فإنّ المعنيين يؤكدون، حسب أوساطهم، انّ طموحهم، في الحد الأدنى، هو الحد من الفساد والهدر بأكبر مقدار ممكن. لكنّ نجاحهم في هذا مرهون بتعاون الآخرين من القوى السياسية والشعب معهم. ويقول أحدهم: «نريد أن نحمي المال العام، والسبيل إلى ذلك سيكون على مستويين:
- الأول، ضبط وتنظيم حسابات لمالية الدولة والمعبّر عنها بمصطلح «قطع حسابات» الموازنات، فمن دون ذلك يُمكن ان يستقيم أي إصلاح للمالية العامة. ولذلك فقد انطلقنا من قاعدة تصحيحية، وطلبنا من وزير المال وضع هذه الحسابات في تصرّف رئيس مجلس النواب ومن ضمنهما القروض، وأينما وجد قرض ووثائقه سنعالجه لأنّ القروض تزيد من حجم الدين وتالياً من كلفته».
أمّا المستوى الثاني، فهو مجالات الانفاق التي حددناها، وهي: خدمة الدين، قطاع الكهرباء، القطاع العام وما تبقى من إنفاق تحت عنوان تنفيذ مشاريع إنمائية وغيرها. فلخدمة الدين طرحنا الحوار بين الحكومة والمصارف بغية تخفيضها، ولم يعد مفيداً الكلام بقروضٍ تَراكمها يزيد حجم الدين وخدمته.
أما ملف الكهرباء، فهناك «الطرح الإيراني» وغيره لتأمين التغذية بالتيار 24/24. أما بالنسبة إلى القطاع العام، فهناك انفتاح على المعالجات بشرط أن تبدأ من فوق إلى تحت لا العكس. وفي هذا الإطار ينبغي إصلاح قطاع الإتصالات ومجلس الإنماء والإعمار، والكهرباء والقطاع المصرفي، بحيث يبدأ من فوق وليس من تحت حتى لا يكون على حساب الناس الضعفاء، وعندئذ يمكن البحث في وقف التوظيف».
ويؤكد هذا المصدر المعني انه تمّ تقديم رؤية لإصلاح القطاع العام، تقوم على محورين: حسابات الدولة التي لها 3 مسارات: مسار التدقيق عبر ديوان المحاسبة، المسار القضائي إذا استدعى الأمر الاستعانة بالقضاء، المسار الرقابي المتمثِّل بمجلس النواب. ويقول: «خارج هذه المسارات الثلاثة لا يمكن أي إصلاح مالي أن يستقيم، ولا يُمكن البدء بمكافحة فعلية للفساد».