تقول النكتة ان الاسرائيليين لن يكفوا عن طلب التطبيع مع العالم العربي حتى يعرفوا العرب على حقيقتهم، ويدركوا ان التفاهم معهم لا يجدي نفعاً ولا يجني مكسبا، و"لا يحقق إندماج إسرائيل في الشرق الاوسط".
وتقول الحقيقة ان الاسرائيليين، وحسب ما يفيد إعلامهم، ليسوا في حالة زهو وفخر بالفتوحات الدبلوماسية التي يعلن رئيس وزرائهم بنيامين نتنياهو عن تحقيقها هذه الايام، بل أن بعضهم يعتبرها عملية نصب سياسي يقوم بها مرشح محرج للانتخابات العامة، وهي لن تزيد من أصواته ولا من أصوات حزبه، ليكود، ولن تحميه طبعا من المحاكمة المحتمة بتهم الفساد.
بالامس، عاد نتيناهو من وارسو، حيث إنعقد أول لقاء عربي إسرائيلي لمواجهة إيران، مبشراً بفتح دبلوماسي جديد، بعدما كان التلفزيون الاسرائيلي قد بث مجموعة من الفيديوهات المثيرة، أحدها للقاء رئيس الحكومة الاسرائيلية مع وزير خارجية عُمان يوسف بن علوي، وآخر لوزير الخارجية اليمنية خالد اليماني، الذي جلس جنب نتنياهو وقدم له ميكروفونه، عدا عن صور التحيات والنظرات والإبتسامات المتبادلة بين المسؤول الاسرائيلي وبين بقية رؤساء الوفود العربية.
باب التطبيع العربي الاسرائيلي مفتوح على مصراعيه، ولم تبق سوى أقلية من الدول العربية خارج تلك العتبة، تهاب العبور او ترفضه، إحتراماً للذات وللتاريخ وإلتزاما بقضية فلسطين، تقابلها، للمصادفة، أقلية اسرائيلية ما زالت تعتبر التطبيع حاجزاً أخيراً لا بد من إجتيازه لطي صفحة الحرب..التي صارت من الماضي البعيد.
ولعله من حسن الحظ ان نتنياهو نفسه هو الذي يقود هذه الحملة لإختراق الحدود العربية، التي يضعها الاسرائيليون أنفسهم في سياق إنتهازي أكثر مما يدرجونها في سياق سياسي، برغم تباهي رئيس وزرائهم يوميا بالمحرمات العربية التي تتساقط أمامه.. والتي يضاف اليها عامل مهم هو ان عداء الجمهور الاسرائيلي لإيران وخوفه من نظامها ليس بالقوة التي يعبر عنها نتنياهو ، ولا طبعا بالحدة التي يعكسها بعض العرب. وهو ما يمكن تلمسه أيضا من عامة الايرانيين الذين لا يرون أنهم يجب أن يكونوا في حالة حرب دائمة مع دولة إسرائيل، على ما توصيهم قيادتهم.
أما الكلام الدائم عن الحرب بين الدولتين بذريعة الخطر النووي، فلم يكن مقنعاً او مقلقاً للاسرائيليين ولا للايرانيين. فالجغرافيا كانت وستظل عائقاً جذرياً امام إندلاع مواجهة مباشرة بين الجيشين، بغض النظر عن موازين القوى وعن جدية التعبئة لمثل هذه المواجهة وضرورتها وقدرتها على التغيير المطلوب في سلوك الدولتين وجدول أعمالهما وحالة العداء بينهما.
لكن تضخيم الخطر الايراني كان وسيبقى مفيداً من وجهة النظر الانتهازية الاسرائيلية، فقد إستخدمه نتنياهو ببراعة لتعطيل مسعى الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما لتحريك ملف التسوية مع الفلسطينيين، ثم دفعه الى حده الاقصى مع الرئيس الحالي دونالد ترامب، الذي تفاهم معه على ان الفرص المتاحة من تحويل إيران الى تهديد للسلم الاقليمي والعالمي أكبر بكثير من الفرص المتاحة من إستئناف مفاوضات السلام الاسرائيلية الفلسطينية.
ولعل أهم هذه الفرص هي تلك التي يفاخر بها نتنياهو ويعتبرها تحقيقاً لحلم إسرائيلي قديم، ويقصد بذلك التفاهمات العلنية والسرية التي يبنيها مع دول الخليج العربي، وتحديدا مع السعودية والامارات والبحرين، التي يقدمها على أنها تؤسس لتحالف ضد إيران، مع أنها في الاصل وفي العمق حلف ضد الشعب الفلسطيني وضد القضية الفلسطينية وكل ما تمثله في الوجدان العربي، الذي يريد بعض الخليجيين التنصل منه والتخفف من تبعاته وأعبائه، أكثر بكثير من العرب الذين سبقوهم الى معاهدات السلام مع إسرائيل.
مع هؤلاء الخليجيين، لا يمكن لنتنياهو ان يدعي أنه يحقق الحلم الإسرائيلي. فالخليج الذي يسجل الان خروجه الكبير من دائرة المسؤولية عن القضية الفلسطينية، لم يكن داخل هذه الدائرة الا في حالات إستثنائية، نادرة، عندما كان ملك أو أمير او وزير او مثقف خليجي منفرد، يتقدم نحو خطوط المواجهة المباشرة مع العدو الاسرائيلي، ويصحب معه جمهوراً خليجياً.. لا يحاسب الآن حكامه على توقهم الغريب الى التصالح مع اسرائيل، والحط من مكانة فلسطين.