يذكر البيان الوزاري عبارة "العودة الآمنة" للاجئين السوريين. تجنّب الحديث عن العودة الطوعية، أو العودة الفورية، أو انتظار الحلّ السياسي.
في خطابه يوم 14 شباط، أكد الرئيس سعد الحريري أن عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم يجب أن تكون "آمنة وطوعية". العبارة الأخيرة (طوعية) لا يوافق عليها التيار الوطني الحرّ. وقدّ سجّلت اعتراضات من قبل التيار على كلمة الحريري. صحيح أن الطرفين يتفقان إلى حدّ بعيد في مختلف الملفات السياسية والاقتصادية، لكن بلا شك، سيمثّل ملف عودة اللاجئين إشكالاً مستمرّاً بينهما، يبدأ في الاختلاف على التفسير، ولا ينتهي في الافتراق حول توظيف هذا الملف وأبعاده.
ما معنى "آمنة" و"طوعية"؟
لتجنّب الحرج أو الانقسام بينهما، لجأ الطرفان إلى ذكر المبادرة الروسية لإعادة اللاجئين، بوصفها المبادرة الجدّية الموجودة حالياً، لكن من دون إغفال المبادرات الأخرى، والتي تنسجم مع الرؤية الدولية. العودة، وفق رؤية الأمم المتحدة، والشروط الدولية والعربية المفروضة في هذا الملف، تركّز على مجموعة نقاط، أساسها، بدء مرحلة الإنتقال السياسي في سوريا، وإعادة الإعمار، ما يمهد الطريق أمام العودة الآمنة. التيار الوطني الحرّ يرفض هذه الشروط، ويعتبرها مقدّمة لإطالة أمد بقاء اللاجئين، أو محاولة لتوطينهم، من خلال المساعدات الدولية المقدّمة لهم داخل الدول المضيفة.
الردّ على كلام الحريري بالعودة الطوعية والآمنة، جاء سريعاً على لسان مسؤولين في التيار الوطني الحرّ. والتيار يستعد للإمساك بكامل الملف، من خلال الإمساك بطرفيه، أي وزارة الخارجية ووزارة شؤون اللاجئين. وأساس الردّ يقوم على فكرة وجوب التنسيق مع النظام السوري لأجل تأمين إعادة اللاجئين، وتقديم المساعدات الدولية لهم في المناطق الآمنة، التي سيذهبون إليها، بدلاً من تقديمها إلى الدول المضيفة، التي ترزح تحت أعباء هذا اللجوء. الاختلاف نفسه توسع أيضاً ليطال مفهوم "العودة الآمنة"، فما هي مقتضيات العودة الآمنة؟ ومن هو الذي سيحدد هذه المناطق التي تتوفر فيها شروط "أمان" العائدين؟
زيارة دمشق؟
سيحاول التيار الوطني الحرّ، استباق أي تطورات خارجية، قد تؤثّر على ملف اللاجئين، أو مسار خطّته لمعالجة هذا الملف. ولذلك، سيكون التركيز في المرحلة المقبلة على "التنسيق مع النظام السوري"، وسط معلومات تتحدّث عن زيارة يتم الإعداد لها لوزير الخارجية جبران باسيل إلى دمشق، لا سيما أن المعلومات كانت تفيد بأن الزيارة ستحصل بعد تشكيل الحكومة. ولكن السؤال الأساسي يبقى حول أهداف هذه الزيارة، ووظيفتها. لا يمكن للحكومة اللبنانية برئاسة الحريري، الموافقة على هذه الزيارة، أو أن تكون تعبيراً عن المسار السياسي الذي تريد الحكومة تكريسه، خصوصاً أن الحريري لا يزال يرفض تطبيع العلاقات وإعادتها. وبالتالي، فإن زيارة باسيل ستتخذ صفة شخصية، وبحدود العلاقة "التفاهمية" بين تياره والنظام السوري. لم يحدد موعد الزيارة بعد، لكن البعض يشير إلى أنها ستكون قريبة، بينما البعض الآخر يعتبر أن باسيل قد يتريث قليلاً، تفادياً لوقوع انقسام سياسي كبير في البلد، ولعدم حشر الرئيس سعد الحريري.
قواعد الاشتباك
أعطى الحريري مثالاً على عدم جدوى التنسيق مع النظام السوري لحلّ ملف اللاجئين، إذ أن للأردن علاقة مفتوحة مع النظام، ولكن هذه العلاقة لم تؤد إلى حلّ مسألة عودة اللاجئين. وهذا دليل أن الحريري لا يزال يحافظ على "قواعد الاشتباك" في هذا الملف. وبالتالي، لا مبرر للتذرّع بإعادة العلاقة والتنسيق مع النظام لأجل حلّ مسألة اللاجئين، خصوصاً أنها مرتبطة بتوازنات وتوافقات دولية. هكذا، يبقى الحريري على مسؤوليته في ملف اللاجئين، وهو يعمل على شرح الأمور وفق طبيعتها، من دون استخدام الملف في الغايات السياسية المحلية.
أعطى الحريري انطباعاً بأنه لن يتنازل عن ملف اللاجئين، ولا عن ثوابته من الملف السوري ككل. وهذا مؤشر قد يؤسس لاختلاف مستقبلي بينه وبين التيار الوطني الحرّ. فـ"المستقبل" لا يزال على قناعته بأن النظام لا يريد عودة اللاجئين. بالمقابل، سيبقى باسيل على خطابه تجاه اللاجئين، فقط كي لا يخرج أحد ويزايد عليه في هذا الملف. وبالموازاة، يبقى الحريري على موقفه. وكأن هناك توافقاً ضمنياً بينهما على ذلك.
لا شك أن باسيل يعلم أن هذا الملف يرتبط بقضايا دولية، ولا يمكن حلّها من دون توافق دولي كبير، لكنه لا يريد التنازل عن لغته، بسبب اللعبة السياسية المحلية. فلو تراجع أو تلكأ، لربما خرجت قوى أخرى منافسة له وتبنت خطاباً متشدداً شعبوياً. باسيل لا يريد ذلك، وهو يبني زعامته على أساس الإمساك بالسلطة وعلى مصادرة خطاب المعارضة المسيحية مثلاً. ولذا، لا يمكنه التخلّي عن هذا الهدف وتلك اللغة.
على كل حال، وإلى جانب هذا الملف، يستمرّ باسيل بالإمساك بالمفاصل الأساسية للملفات الأخرى والداهمة بالبلد، سواء كانت سياسية أو اقتصادية.