يمكن اعتبار اليوم الاثنين كأول يوم عمل للحكومة، التي قدمت خيار العمل على خيار الأقوال، ومن هذه الوجهة، وعلى وقع الحذر من «اخفاقات» في ضوء الضغوطات الهائلة، الجاثمة على صدر البلد أو المرتبطة بحجم الخلافات القائمة، والطموحات المنتظرة، التي يتعين ان ينظر إليها على انها مشروعة، وتحتاج إلى الواقعية، مع ان الحذر يسود الشارع وإن ذهبت جهات حزبية وقطاعية للتظاهرة تحت شعار «لا ثقة» على الرغم من الاستنفار الوزاري لمواجهة التحديات الماثلة..
نقطتان بارزتان في اليوم الأوّل للرئيس سعد الحريري تتركز على نقطتين:
1 - ترؤس اجتماع تشاوري موسع قبل ظهر اليوم لممثلي الصناديق العربية والأوروبية والدولية والمؤسسات المالية التي التزمت بمساعدة لبنان في مؤتمر «سيدر» يخصص للبحث في الخطوات المستقبلية في السراي الكبير.
2 - اجراء ما يلزم من اتصالات واعداد أعمال الجلسة الأولى لمجلس الوزراء، الخميس المقبل، باعتبار انه جدول الأعمال، لأول مجلس الوزراء، سيكون وافياً، وتترتب عليه أولويات، فضلا عن مكان انعقاده المرجح في قصر بعبدا.
وكشف مصدر مطلع ان جدول مجلس الوزراء سيوزع اليوم لجلسة تعقد الخميس، على ان يتوجه الرئيس الحريري السبت في 23 الجاري إلى شرم الشيخ لترؤس وفد لبنان إلى مؤتمر القمة الاوروبية- المتوسطية.
وأشار المصدر إلى اتجاه لدى رئيسي الجمهورية والحكومة إلى تكثيف جلسات مجلس الوزراء لا سيما بالنسبة لإقرار الموازنة علىان يصدر مرسوم فتح دورة استثنائية لمجلس النواب فيما لو كان ثمة حاجة لدورة استثنائية، تسبق بدء العقد العادي في أوّل ثلاثاء بعد 15 المقبل.
مجلس الوزراء
في السياسة، ينتظر ان توجه الدعوة بين ساعة وأخرى لعقد أوّل جلسة لمجلس الوزراء بعد نيل الحكومة ثقة المجلس النيابي، لتبدأ العمل الفعلي على الملفات الأساسية التي تكتسب أولوية، مثل إنجاز موازنة العام 2019 وملف الكهرباء، ووضع قرارات مؤتمر «سيدر» الاقتصادي موضع التطبيق، إضافة إلى معالجة أزمة النازحين السوريين، وهي ملفات كانت تعتبر ملفات خلافية، لكن يبدو ان التوجه الجديد لدى معظم الأطراف، ان لم يكن كلها، هو التعاطي معها بإيجابية، ولو تطلب الأمر مناقشتها بدقة، لأن أحداً لا يستطيع تحمل نتائج الفشل، خاصة على صعيد أزمة الكهرباء التي تفاقمت كثيراً في الأسبوع الماضي نتيجة التأخر في فتح اعتماد شراء المحروقات لمؤسسة الكهرباء، ما فاقم أزمة التقنين في العاصمة والمناطق.
الا ان وزير المال علي حسن خليل أوضح انه وقع مرسوم بفتح اعتماد الكهرباء بقيمة 400 مليون ليرة حتى منتصف آذار، بما يسمح للبواخر الراسية امام مرفأي الزوق والجية بتفريغ حمولتها مساء اليوم الاثنين، وبالتالي التخفيف من التقنين جزئياً، إلى حين صرف الاعتمادات لمعملي دير عمار والزهراني.
واكدت مصادر وزارية لـ«اللواء» ان أياً من الوزراء لم يتبلغ بعد بموعد جلسة مجلس الوزراء هذا الاسبوع ما يعزز التوجه ان الكلام عن جلسة تعقد الثلاثاء قد لا يصح الا اذا تقرر ان تكون الجلسة استثنائية وبالتالي لا حاجة عندها لتوجيه الدعوة الى الجلسة قبل ثمان واربعين ساعة.
واشارت المصادر نفسها الى ان الوزراء لم يتلقوا مشروع الموازنة ولا حتى اي بنود جدول الاعمال مشيرة الى هناك ارجحية لأن تعقد الجلسة الخميس المقبل، واوضحت ان لا معطيات مؤكدة عن اولويات الحكومة انما هناك سلسلة ملفات تحتاج الى متابعة كملف سيدر والكهرباء والتعيينات العسكرية والامين العام لمجلس الوزراء، الذي يرجح ان يكون امام محافظ الجبل محمّد مكاوي أو القاضي محمود مكية لخلافة الأمين العام فؤاد فليفل الذي احيل على التقاعد قبل أيام.
وفيما نفذت القوى اليسارية والفعاليات المستقلة ومنظمات المجتمع المدني اعتصاما ثانيا أمس تحت عنوان «لا ثقة» رفضا للسياسات الاقتصادية والاجتماعية المعادية لمصالح العمال والموظفين. ولفت وزير شؤون المهجرين غسان عطالله في تصريح لـ«اللواء» ان الوزراء سيباشرون بوضع خطط للعمل لأن الوضع لم يعد يحتمل وانه لا بد من تجنب المناكفات والعمل من اجل البلد مشيرا الى ان هناك شعورا ان هذه الحكومة ستكون مختلفة وان الوزراء أمام تحدي العمل واثبات ذلك بالفعل منوها بخطوة وزير الصحة في اقفال مستشفى الفنار.
خطوات مستقبلية
ويترأس رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري في السراي الحكومي (اليوم)، اجتماعا تشاوريا موسعا، يشارك فيه ممثلون عن الصناديق العربية والأوروبية والدولية والمؤسسات المالية التي التزمت بمساعدة لبنان في مؤتمر «سيدر» ويخصص للبحث في الخطوات المستقبلية.
وأوضحت مصادر رسمية ان خطة الكهرباء موجودة وتنتظر إتمام المناقصات لإقامة معامل الإنتاج، وتأهيل شبكات النقل ومحطات التوزيع، وبات من المهم وضع الملف على نار حامية للإسراع في المعالجة، لا سيما وان عرض الصندوق الكويتي للتنمية ما زال قائماً، وكذلك شركة «سيميز» الالمانية، بحسب ما أشار رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط في تغريدته على «تويتر» أمس، لكن يبقى إنجاز التوافق على الملفات الاقتصادية التي توجد حولها وجهات نظر مختلفة خاصة حول السياسة الضريبية والخصخصة وكيفية تطبيق الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
قال وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب لـ«اللواء»: ان ملف النازحين ليس ملفا خلافيا كبيرا، بل ان اللجنة الوزارية التي وضعت البيان الوزاري توافقت على اسس الحل،برأيي ان الحل يقوم على ثلاثة اضلاع: العمل المحلي اللبناني، والتنسيق مع سوريا، والتنسيق مع المجتمع الدولي ومن ضمنه تفعيل المبادرة الروسية.
واوضح غريب انه بصدد طرح ورقة عمل على مجلس الوزراء حول معالجة ازمة النازحين وفق الاطر الثلاثة المذكورة، وقال: «انا طرحت على رئيس الحكومة سعد الحريري موضوع الاتصال بالسلطات السورية باعتبارها المعنية الاساسية بعودة مواطنيها ولا يمكن تحقيق عودة النازحين من دون التنسيق معها، ولم اجد لديه اعتراضا جوهريا، لكن اي خطوة سأقوم بها بهذا الاتجاه ستكون بالتنسيق مع الرئيس الحريري».
المنطقة الآمنة
وفي هذا السياق، كان لافتاً للانتباه، ان تحفظ وزير الدفاع الياس بو صعب على وجود منطقة آمنة بين سوريا وتركيا، معتبراً ان أي وجود عسكري تركي على الأراضي السورية دون موافقة دمشق احتلالاً، لم يُثر أي ردة فعل لبنانية معترضة على موقف بو صعب الذي أعلنه امام مؤتمر ميونيخ للأمن، باعتباره خرقاً لمبدأ النأي بالنفس، الأمر الذي يؤشر إلى توافق لبناني رسمي في شأنه مع تأييد عربي خاصة وان الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أعلن امام المؤتمر نفسه، تأييده للتحفظ على المنطقة الآمنة، مشدداً على وحدة الاراضي السورية، وهو ما أكّد عليه أيضاً وزير الدولة للشؤون الخارجية الاماراتي أنور قرقاش، ما يُشير الى ان الاقتراح التركي لا يلقى تأييداً، لا من محور الممانعة، ولا من المحور العربي.
نصر الله
تزامناً، أكّد الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله، في الاحتفال الذي أقامه الحزب في ذكرى شهدائه القادة الثلاثة، عباس الموسوي والشيخ راغب حرب وعماد مغنية، على أهمية الحفاظ أو الحرص على أجواء الحوار الداخلي والتواصل والتعاون والابتعاد عن السجالات وعن النكايات والمخاوف، وعلى الانفتاح في معالجة ومناقشة كل الملفات والخيارات، معلناً بدء معركة الحزب لمكافحة الفساد والهدر المالي.
ونفى في هذا السياق، ان يكون لدى الحزب شركات لديها مصلحة في ان تأخذ تلزيمات، مؤكداً بأنه لا يريد اموالاً من الدولة، لأننا نؤمن بأن هذا المال محرم، وحرام شرعاً نهبه أو سرقته أو اختلاسه أو حتى انفاقه خارج دائرة القانون.
وفي ملف الكهرباء الذي تحدث عنه مطولاً، أعاد السيّد نصر الله طرح العرض الإيراني لإنشاء معامل للكهرباء بما يؤمن التيار 24 على 24 ساعة، لافتاً إلى ان النكد السياسي أو الكيد السياسي هو الذي منعنا من الحصول على الكهرباء، ومع ذلك فإنه قال «اننا نريد ان نأكل عنباً»، فنحن نريد ان نرى كهرباء في بيوت اللبنانيين، ونريد ان نرى الدواء متوفراً لدى كل اللبنانيين، وان نرى سيّارات تسير على الاوتوسترادات كائناً من كان الذي سيأتي بالكهرباء أو الدواء أو يحل مشكلة السير أو ان يعالج أزمة النفايات، لكن القول بأن إيران تريد ان تسيطر على لبنان، هو كلام يدعو إلى السخرية.
وأوضح نصر الله ان معركة الحزب في مواجهة الفساد والهدر المالي، ستكون عبر فتح ملفين: الأوّل الملف المتعلق بـ11 مليار دولار الذي انفقته الحكومات السابقة، ولا يعرف اللبنانيون كيف انفق واين وحساباته ومصاريفه وفواتيره ودهاليزه، بحسب قوله، والثاني والذي وصفه بالاعجوبة، والذي يتعلق بالمفاوضات الجارية مع الجهات الدولية للحصول علي قرض بقيمة 400 مليون دولار لصرفها على عناوين ليس لها جدوى، وفق ما قال عضو كتلة الوفاء للمقاومة حسن فضل الله، في جلسات الثقة، والذي استشهد به نصر الله، الذي لوح بالذهاب في هذه المعركة إلى الملفات الكبيرة والمهمة، متوعداً باحالتها إلى القضاء الذي يجب ان يتحمل المسؤولية ومعه الأجهزة الأمنية، معتبرا ان البلد كلّه يجب ان يكافح الفساد والهدر والا البلد كلّه سينهار».
اقفال مستشفى الفنار
ولم تستبعد بعض المصادر المطلعة، ان يكون قرار وزير الصحة جميل جبق بإقفال مستشفى الفنار للامراض العقلية في المصيلح، بعد جولة تفقدية للمستشفى، أولى مؤشرات مكافحة الفساد والهدر المالي الذي أعلن عنه الحزب، حيث تبين للوزير جبق ان المستشفى أشبه بسجن للمرضى الذين يتراوح عددهم بحدود 200 مريض لا تتوافر لديهم العناية الطبية اللازمة، فضلا عن انعدام الدواء والاكل والمياه والكهرباء، مع العلم ان وزارة الصحة تنفق عليه بحدود مليار و350 مليون ليرة.
وفي ضوء قرار جبق بإقفال المستشفى ونقل المرضى إلى مستشفيات أخرى تحت رعاية وزارة الصحة، أعلن المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم تحقيقاته في القضية، على خلفية الاوضاع المزرية في المستشفى، علماً ان معلومات كشفت ان الأرض التي بنى عليها المستشفى منذ العام 1962استملكت من قبل أشخاص.
الزواج المدني
وإلى جانب هذا الملف الذي اثار ضجة واسعة، باعتباره فضيحة مدوّية، كشفت عن استغلال مريع وإهمال بالغ في حق مرضى يحتاجون لعناية صحية دقيقة، أثير ايضا ملف آخر أكثر حساسية، يتعلق بقضية الزواج المدني الاختياري، استناداً إلى تصريح أدلت به وزيرة الداخلية ريّا الحسن، إلى قناة «يورو نيوز»، لم تحدد موقفاً سوى انه قالت بأنها «شخصياً تحبذ ان يكون هناك إطار لزواج مدني»، مضيفة بأنها «ستسعى لفتح الباب لحوار جدي وعميق حول هذه المسألة مع كل المرجعيات حتى يصبح هناك اعتراف بالزواج المدني».
ومع ان الوزيرة الحسن لم تفعل سوى انها وعدت بالسعي لفتح حوار عميق وجدي، فإن مواقع التواصل الاجتماعي، اشتعلت بعدد هائل من المواقف بين مرحب وبين معترض لأسباب دينية معروفة لدى الطوائف الإسلامية والمسيحية، ما أعاد الى الأذهان معارك إعلامية لم تهدأ بعد بين خصوم الزواج المدني ومؤيديه، وسبق للرئيس الراحل الياس الهراوي اثارته في إحدى جلسات مجلس الوزراء، لكن الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وضعه منذ ذلك الحين في ادراج مجلس الوزراء، ولم يخرج سوى قبل عامين عند صدور قرار عن وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق اعتبره اختيارياً، بناء لاحكام قضائية.
وفي سياق آخر اشارت الحسن إلى ان هناك عددا من الإصلاحات التي يجري إنجازها، ومنها مثلا التشدّد في تطبيق قانون السير وملف الطرقات، إزالة العوائق والجدران الاسمنتية وغيرها من الحواجز، إضافة إلى أمن المطار، الإنماء البلدي وملفات أخرى.
وتطرقت الحسن إلى ملف النازحين السوريين مشيرة إلى ان البيان الوزاري لحظ ضرورة وجود تنسيق من خلال المبادرة الروسية لتأمين عودتهم بأسرع وقت ممكن، مشددة على ضرورة ان يكون هناك حل سياسي قبل ان فرض أي رجوع لهم.