لا أحدٌ منا، نحن العراقيين، يحلم بغزو إيران واحتلالها وإعادتها، عنوةً، مقاطعةً ملحقة بعاصمة الرشيد أو بعاصمة المأمون، سامراء، مثلما كانت عشراتٍ من القرون.
ولا أحدٌ منا أيضا يتمنى للشعب الإيراني الجار والأخ والصديق أن يرى مكروها، أي مكروه، رغم أن حكومته المغامرة المقامرة لم تترك في قلب أحد منا شفقة أو رحمة، بجورها وعدوانها وسلوكها، اللاإنساني اللاإسلامي اللاعقلاني اللاأخلاقي، حتى لم يسلم من تعدياتها وظلمها وأحقادها أحد.
وعلى الرغم من أننا، نحن العراقيين، أكثرُ جيران الشعب الإيراني ألما وحزنا لما نقرأ ونسمع عن آلامه وأحزانه وفاقته التي أوصلته إليها حكومة ضالة مضللة، وحاقدة، ومتجبرة، لا تحترم جيرة، ولا ترعى إلاًّ ولا ذمة، إلا أننا لا نفرح بأحزانه مع الفرحين، ولا نضحك لبكائه مع الضاحكين.
ولكن ما فعله قاسم سليماني ووكلاؤه، هادي العامري ونوري المالكي وقيس الخزعلي، وحتى حيدر العبادي وعادل عبدالمهدي، لم يترك لملايين العراقيين، ليس في المحافظات السنية وحسب، بل في أغلب محافظات الوطن الأخرى، سوى أمنية واحدة، هي أن يأتيهم يوم خلاص من هذا العيش غير الكريم، والعذاب الأليم.
إن مناسبة هذا الحديث هي حملات الفريق الإيراني العراقي الاحتجاجية الغوغائية التهديدية التهويشية ضد وجود قواتٍ أميركية، في بعض مناطق العراق، عادت، بعد أن كانت قد خرجت، باتفاقات وتفاهمات مع حكام تسيرهم إيران لا يجرؤون على نقل قشة من مكان إلى مكان إلا برضاها وأمرها.
ومعروفة هي الدوافع التي جعلت نظام الملالي يأمر أولاده العراقيين بالتحرك العاجل لإحراج الولايات المتحدة، وإخراجها، أو على الأقل منعها من المضي في غلق طريق مهرَّباتها إلى سوريا ولبنان عبر حدود العراق.
ولا يمكن أن توصف التهويشات التي يقوم بها قادة ميليشيات الجوق الإيراني، ومسيراتهم وتهديداتهم، إلا بالغباء السياسي والعمى الإعلامي، لأنهم بذلك يوقظون فتنة جديدة بين كل العراقيين، ويحيون ثاراتٍ متراكمة قديمة، لم يكن المؤمل أن تبعث من جديد.
فقد أحدثوا، بحملاتهم تلك، انقلابا دراماتيكيا غريبا عجيبا في المزاج الوطني العراقي، من كرهٍ للولايات المتحدة وجهادٍ لطرد جيوشها، منذ العام 2003، إلى التغني بأمجادها، ودعوة لعودة جيوشها إلى مدنهم وقراهم من جديد.
وتعالوا نتحاسب. كيف كان العراق قبل تأسيس دولة الخميني؟ وكيف صار على أيدي ورثته المجانين؟
هل كان العراق، كما هو اليوم، مجتمعا متقاتلا متشاكسا متعاديا يغدر فيه العربيُّ بالكردي والتركماني، والمسلمُ بالمسيحي واليهودي، والشيعيُ بالسني، والسنيُ بالشيعي، والجاهل بالعالم، والحرامي بالشريف النزيه العفيف؟
ألم يكن أمن الدولة متماسكا في الداخل، ومحميا من الخارج، إلى حد أن جرادة من جراد أسامة بن لادن أو الإخوان المسلمين كانت موقنة بأن عبورها حدود العراق هو انتحار؟
وألم يكن في إمكان أي زائر، عربيا كان أو أجنبيا، أن يعبر الحدود بسهولة، ويتاجر، ويقيم، ويتزوج، وينجب، لو أراد، دون عراقيل؟
ثم أليس الكثيرون ممن يتبخترون، هذه الأيام، في المنطقة الخضراء هم من المتجنسين الذين حصلوا على الجنسية العراقية متأخرا، أو هم، حتى وهم وزراء أو رؤساء أو نواب أو سفراء، من حَملة الجنسيات الإيرانية والتركية والأميركية والبريطانية والفرنسية والأردنية والسعودية، الذين يستكبرون ويستنكفون أن يطلبوا الجنسية العراقية، ولا يستحون؟
وفي ظل الوجود الإيراني اللطيف الرحيم الكريم ألم تتصدر الدولة العراقية قوائم الدول الأكثر فسادا في العالم، والأكثر انتهاكا لحقوق الإنسان، والأكثر قتلا للصحافيين، والأكثر اعتداءً على المتظاهرين السلميين؟
أطفالٌ، بالملايين، دون مدارس، هائمون في الشوارع مع الكلاب السائبة. وملايين بلا ماء ولا دواء ولا غذاء. وعاطلون عن العمل تغص بهم مقاهي الوطن الحزينة، وأرصفة شوارعه المحطمة، بالآلاف وربما الملايين.
ومُهجَّرون ومهاجرون، بعشرات الآلاف، يكابدون ويصارعون من أجل لقمة عيش في حارات دمشق المحترقة، أو شوارع عَمّان وأنقرة والقاهرة وأثينا وبيروت، بلا أمل في عودة، ولا معين.
ترى هل من حق أحد أن يَعتب على عراقيين ذاقوا من إيران وجواسيسها ما كفى حين ينقلبون من كره للولايات المتحدة وجيوشها إلى كره لإيران وأحزابها وميليشياتها، وحين يبحثون عن مخلّص، أي مخلّص، يرفع عنهم هذه الغمة، ويطرد لهم آخر حذاء إيراني من أرضهم، حتى لو كان ذلك المخلّص هو الشيطان الرجيم؟