وَين صواتن؟ وين وجوهن؟ وينن؟ يسأل تمثال الشهداء وسط العاصمة بيروت عن شباب المنظمات والأحزاب والمجتمع الذين صدحت أصواتهم عام 2005 مطالبة بالحرية والسيادة والاستقلال.
هؤلاء الذين غابت مطاليبهم وما عادت تُسمع أصواتهم رغم انسداد الأفق أمامهم وقلة الوظائف، وانعدام الفرَص، ورغم أزمة السكن والقروض، وغلاء المعيشة، وتدنّي الرواتب والأجور... بُحّت حناجرهم؟ كُتمت أصواتهم؟ أم اكتفوا بما تحقق؟
أبعد من موعد
«لا ما خلصنا هَون، النضال ما انتهى». يقول رئيس مصلحة الطلاب في القوات اللبنانية شربل خوري لـ«الجمهورية»، معتبراً «انّ انسحاب الجيش السوري لا يعني انتهاء النضال، فعملية بناء الدولة لا تزال في مراحلها التأسيسية الأولى».
من هنا يرفض خوري اعتبار دور شباب ثورة الأرز قد انتهى، فيقول: «لا دورنا انتهى ولا ثورة 14 آذار «خلصت»، لأنها ليست مجرد موعد على روزنامة، هي روح تسكن كل فرد منّا ومبدأ نسير عليه، وهي تجسيد لمطالب وحّدت شباباً آمنوا بأهمية خروج الجيش السوري فكان لهم ما يتمنّون».
ويعتبر انّ «على الشباب مسؤولية كبيرة في بناء الدولة الذي ينطلق من مكافحة الفساد كلّ من موقعه، وعبر حصر السلاح ضمن المؤسسات الشرعية للدولة، وأن يكون القرار لبناني الهوى والهوية».
ويضيف: «حلمنا في لحظة في آذار 2005 بأنّ الدولة قادرة على احتضان طموحنا وأحلامنا، على هذا الأساس خضنا الثورة ومضينا قُدماً رافعين شعار بناء الجمهورية القوية بصرف النظر عمّن ينضمّ إلينا أو يتركنا»، مشيراً إلى «انّ بعض المحطات قد شهدت تعثراً لفرقاء ولتحالفات. ومن الممكن أن نكون في مطارح قد تعثّرنا، إلا اننا لم نَحد عن مبادئنا».
فحص ضمير؟
«لا ما نسينا بعدك فينا، وبعدو الوطن هوّي الغاية». كلمات الشاعر نزار فرنسيس تكاد تتحول إلى صلاة على شفاه شباب تيار «المستقبل» الذين يجدون في 14 شباط ليس فقط محطة سنوية، إنما تحدّ يومي. فيقول مسؤول قطاع الشباب في تيار «المستقبل» محمد سعد لـ«الجمهورية»: «لكل مرحلة ظروفها وتحركاتها ومطاليبها، لحظة استشهاد رفيق الحريري كانت نقطة التحوّل لكثر من الشبّان الذين شاركوا في إطلاق الشرارة الأولى للثورة، واليوم باتوا في مواقع قيادية».
لذا، يرفض سعد اعتبار أنّ شباب ثورة الأرز ما عادوا في الساحة رغم انّ أصواتهم قد خفتت، فيقول: «الشباب الذين كانوا أساس الثورة معظمهم تسلّموا مواقع قيادية في أحزابهم، وتحديداً على مستوى تيار «المستقبل» وداخل الهيئات والمكتب السياسي، والمكتب التنفيذي وفي الأمانة العامة. وحصل هذا الأمر انطلاقاً من إيمان الرئيس سعد الحريري بإشراك الشباب، ليس فقط ضمن الحزب إنما على مستوى الوطن، والبرهان الانتخابات النيابية الأخيرة والوجوه الشبابية التي اختارها».
وفي عملية نقد ذاتي لدور المنظمات الشبابية اليوم، لا يدّعي سعد أنها تقوم بدورها على أكمل وجه، فيقول: «مبلى مقَصّرَه»، موضحاً «انّ الدور الأساس للمنظمات ان تكون فاعلة داخل حزبها، تتحدث باسم الشباب وان تنقل للحزب تطلعات جيل اليوم ومعاناتهم، ومهمتها الضغط على القادة من أجل تحقيق مطالبهم وتحسين ظروفهم».
ويتابع متأسفاً: «لكن للأسف البعض منّا لا ينقل صوت الشباب، بل يكتفي بأن يعكس صورة الحزب من أجل استقطاب المحازبين الجدد، وكأنّ العلاقة أحادية، بذلك تكون المنظمة قد تخلّت عن دورها الأساس في تحسين ظروف الشباب».
«بعِدنا عن الحلم!»
كل من يستمع إلى شباب المنظمات ويشارك في جلساتهم على اختلاف مذاهبهم وألوانهم، سيلاحظ كم انّ ثورة الأرز عزّزت الأواصر فيما بينهم أقوى من الدم أو صلة القرابة، وقد شكّلت حالة جماعية وحباً مشتركاً لغد أفضل.
في هذا السياق، يقول أمين عام منظمة الشباب في «الحزب التقدمي الاشتراكي» محمد منصور لـ«الجمهورية»: «نتذكر في 14 شباط ليس فقط الخسارة الوطنية والتاريخية، إنما نستذكر التعاون بين معظم المنظمات الشبابية الرافضة للوصاية السورية. شكّلت 14 شباط إنطلاقة أمل وحلماً لوطن يتّسع لطموحاتنا، كانت فرصة العمر في استعادة صوتنا ودورنا المشترك».
ويتابع: «مضينا نحو حلمنا في بناء دولة مستقلة لجميع اللبنانيين، كان للشباب إرادة ووعي دفعتا قادة الأحزاب للتوحّد».
أين هؤلاء الشباب اليوم من توحّدهم والمطالبة بمستوى معيشي يحصّن كراماتهم؟ سؤال إستدعى تَنهيدة عميقة من منصور قبل ان يعبّر عن تململه: «للأسف نحن بتنا بعيدين عن الحلم الذي بدأناه آنذاك لبناء دولة تحافظ على شبابها وقدراتهم. لقد خسرنا الرهان، وخسرنا الشباب الذين يقفون في الصف طالبين الهجرة، فيما الدولة شبه غائبة والفساد ينهش المؤسسات».
ويضيف: «بفعل انعدام الوظائف والأفق وسوء الإدارة، نصف الشباب الذين أطلقوا 14 شباط باتوا خارج لبنان». لذا، يعتبر انّه يجب على «من ظلوا في لبنان ان يتوحدوا حول فكرة قيام الدولة، فبتوحّدنا نوحّد السياسيين».
تنازلات أنهت 14 آذار؟
تختلف نظرة شباب «الكتائب» عن «رفاق الثورة»، على اعتبار أنّ تمايزهم ينبع من تمايز مواقف رئيس حزبهم النائب سامي الجميّل، فيقول زخيا الأشقر: «ضميرنا مرتاح لمسار حزبنا وخياراته في كل المرحلة السابقة والحالية، فنحن الطرف الوحيد الذي لم يساوم ولم يتنازل بعدما ضحّى بأغلى ما لديه في هذه الثورة: بيار الجميّل وانطوان غانم».
ويتابع في حديث لـ«الجمهورية»: كان الهدف من 14 آذار إعادة السيادة والحريات في لبنان، ولكن مع تنازلات بعض الاطراف المتتالية وصلنا، للأسف، الى إنهاء ١٤ آذار، وآخر مسمار في نعشها كان حين صَوّت أركان ١٤ آذار (ما عدا الكتائب) لمرشّح ٨ آذار ضاربين بعرض الحائط القضية السيادية التي استشهد من أجلها اغتيالاً شهداء ثورة الأرز».
ويصوّب الأشقر بوصلة دور المنظمات، قائلاً: «حلم بناء دولة حضارية متطورة يسود فيها منطق المؤسسات والقانون هو الدور الاساسي للمنظمات الطلابية والشبابية، لا أن تستسلم للواقع الحالي في لبنان والّا تتطبّع وتتدجَّن مع المنطق السائد بإدارة الواقع السياسي الحالي». لذا، اعتبر في توحدهم «فرصة أخيرة لانتشال ما تبقّى من دولة والعبور الى لبنان يشبه شبابه».
بين أحلام الشباب التائهة والرهان على قيام دولة تلبّي طموحات أبنائها، يعتبر رئيس منظمة الطلاب في «حزب الوطنيين الاحرار» روي ناصيف انه «رغم تفرّق شباب 14 آذار وأخذهم تموضعاً جديداً الى جانب قيادات احزابهم، الّا انّ ثوابت ومبادئ 14 آذار ما زالت راسخة في وجدانهم، وقادرة على إنجاز ما لم يتحقق بعد في ما لو أدركوا تصويب البوصلة، كي لا تذهب النضالات سدى».
ختاماً، أمس أحرق جورج زريق نفسه لأسباب اقتصادية معيشية، فيما تحترق قلوب اللبنانيين يومياً وتُتلف أعصابهم، ويكتفون بالهرولة إلى السوشيل ميديا.
غريب!: «كيف بعدَك ساكت، والهَم غَرّق عمرك دمع ودم! أرضَك عم تندهلَك... ثوره». فمتى يثور اللبنانيون ثانية؟