تنعقد خلال الشهر الجاري ثلاث مؤتمرات دولية على علاقة بإعادة رسم صورة جديدة للشرق الأوسط ستدوم عقوداً.
في الامس بدأ مؤتمر وارسو البالغ الاهمية والذي سيؤسّس، على ما يبدو، لوضع قطار الشرق الاوسط على سكة الاصطفافات الجديدة والعناوين العريضة.
وسيشهد الاسبوع المقبل انعقاد قمّة في دبلن عاصمة إيرلندا وبدعوة منها في حضور ممثلين عن السلطة الفلسطينية التي تغيّبت عن مؤتمر وارسو، وفرنسا والسويد وهولندا اضافة الى إيرلندا ومصر والأردن.
الحضور سيكون على مستوى وزراء الخارجية، وسيكون على ما يبدو مكمّلاً لمؤتمر وارسو، ولو من زاوية اخرى.
صحيح أنّ عناوين المؤتمر المعلنة هي مواجهة «صفقة القرن» التي سيجرى التمهيد لها في وارسو، ولرسم الخطوط الحمر كمثل قضيتي القدس وحقّ اللاجئين بالعودة، لكن في مكانٍ ما سيُشكّل هذا المؤتمر حاضنةً لأخذ السلطة الفلسطينية الى التسوية التي يطرحها البيت الأبيض.
وما بين مؤتمرَي وارسو ودبلن، مؤتمر في سوتشي بين روسيا وتركيا وإيران هو ليس الأول من نوعه، لكنه سيعالج ملفّي إدلب وشرق الفرات ومُهِّدَ له بلقاء عسكري بحث في التفاصيل المهمة بين وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ونظيره التركي خلوص آكار في أنقره.
والقمّة الثلاثية في سوتشي تؤشر الى اتّفاقٍ مزدوج، وربما مترابط، ما بين إدلب والجزء الشمالي الشرقي لسوريا حيث السيطرة الكردية بحماية أميركية.
في وارسو حشدٌ دولي واسع ورعاية أميركية كبيرة ومشاركة لعرّابي «صفقة القرن» جاريد كوشنر وجيسون غرنيبلات.
وعلى رغم أنّ الدعوة الى المؤتمر واكبها في البداية كلام أميركي عن أنه مخصّص لإنشاء تحالف ضد إيران، إلّا أنّ المسؤولين الاميركيين سرعان ما عدّلوا في كلامهم بالاشارة الى أنّ أعمال المؤتمر ستهتم بالنظر بنحوٍ أوسع الى تحدّيات الشرق الأوسط.
ففي مقابل طرح الملف الإيراني سيُطرح ملفّ التسوية الإسرائيلية ـ الفلسطينية لأنّ الترابط بين الملفين قائم وفي العمق. وقبل انطلاق المؤتمر وصل وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف الى بيروت بعدما حققت نقاطاً ثمينة داخل السلطات في لبنان.
وخلال وجوده مرّرت اسرائيل رسالة حربية من خلال قصف مواقع في القنيطرة، قالت إنها لـ«حزب الله». الضربة جاءت «صوتية» بعد هدوء أسابيع نتيجة الضربة الفعلية التي نفّذها الطيران الاسرائيلي على مواقع قرب دمشق وحصلت بعد إطلاق صاروخ على مواقع اسرائيلية في الجولان. يومها كادت قواعدُ الاشتباك المعمول بها تنهار لتنزلق الأمور في اتّجاهات خطرة.
لكنّ رسالة القنيطرة والتي تبنّاها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو تضمّنت رفض إقامة جبهة مشتركة سورية - إيرانية ـ لبنانية (حزب الله) في الجولان، وتعمّد نتنياهو إسماع ظريف رسالته.
لكنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية «المزهو والمتفاخر» بعلاقات بلاده مع الدول العربية كافة (ادرج لبنان ضمناً معها) باستثناء سوريا، وصف مهمّة بلاده قبيل سفره الى وارسو بأنها لمواجهة إيران وهو يحقق انتصاراً مهما على أساس مشاركته جنباً الى جنب مع دول عربية سيلتقي بعض وزراء خارجيتها، وكأنه أضحى جسماً طبيعياً داخل المجموعة العربية، لا بل رأسَ حربة وقائدَ محور في مواجهة محور آخر، وهو ما سيسهّل عليه تمرير التسوية المُجحِفة مع الفلسطينيين.
وفي دراسة أجراها خبراء متخصّصون، إعتبر أنّ ابرز أسباب تحوّل العالم العربي في اتجاه اسرائيل هي:
1 - اعتبار ايران التهديد الرئيسي لأنظمة البلدان العربية السنّية، ما قلّص المسافة مع اسرائيل التي أضحت بمثابة «الحليف الاستراتيجي».
2 - تصاعد مخاطر التنظيمات الإسلامية المتطرفة داخل هذه الدول ما دفع الأنظمة الحاكمة الى التركيز على مشكلاتها الداخلية وطلب المساعدة الاميركية والاسرائيلية.
3 - وصول جيل جديد من القادة العرب ورثوا الحكم عن آبائهم، وهؤلاء يشعرون بالتزامٍ أقلّ تجاه القضية الفلسطينية.
4 - خيبات الأمل المتلاحقة جراء الاخطاء التي تسبّب بها الفلسطينيون وسياسة قادتهم تجاه المسائل العربية.
5 - سياسة دونالد ترامب في الشرق الاوسط والتي تقوم على تعزيز العلاقات بين اسرائيل والدول العربية، وهو ما شرّع الابواب امام زيارات رسمية اسرائيلية الى الدول العربية كمثل زيارة نتنياهو لسلطنة عمان.
وخلال الايام الماضية نقلت شبكة «فوكس نيوز»، وهي احدى وسائل الاعلام القليلة التي تحتفظ بعلاقة جيدة مع البيت الابيض، عن مسؤولين اميركيين رفيعي المستوى داخل الادارة الاميركية أنّ خطة «صفقة القرن» باتت جاهزة وأنّ ترامب سعيد من إتمامها، وأنه سيعمل على طرحها بعد انتهاء الانتخابات الاسرائيلية.
من جهته وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف اعتبر أنّ مؤتمر وارسو وُلد ميتاً، وهو قد يكون قصد أنّ هدفي المؤتمر لجهة تطويع ايران وإمرار «صفقة القرن» لن يحصلا.
في سوريا اتفقت اسرائيل مع روسيا على جعل المنطقة الممتدة من دمشق وحتى الجولان منطقة خالية من وجود ايران و»حزب الله»، لكنّ هذا لم يحصل رغم أنّ موسكو لم ولن تعارض الغارات الجوية الاسرائيلية في هذه المنطقة ولو تحت سقف معيّن. وإسرائيل ومن خلال غارة القنيطرة الاخيرة اوحت أنها مستمرة في استهداف مواقع إيران و«حزب الله». لكنّ الجولان لا يشكل خطّ التماس الوحيد الذي يقلق اسرائيل. هنالك ما هو اهم، بلوكات الغاز البحرية.
في مطلع هذا الشهر أصدرت الحكومة اللبنانية رخصة أجازت فيها التنقيب لاتّحاد «كونسورتيوم» تتزعّمه شركة «توتال» الفرنسية.
ولكن ونتيجة الكشف تبيّن أنّ الجزءَ الجنوبي من المنطقة المعنية يدخل في اطار المناطق المتنازَع عليها مع اسرائيل، ومن المفترض أن يتمّ التنقيب في وقت لاحق من هذه السنة شرط أن لا يقترب التنقيب من الخطّ المتنازع عليه. وهو ما يعني خط تماس جديداً ونزاعاً أكثر خطورة بين لبنان واسرائيل، وربما بين «حزب الله» واسرائيل.
وفي دراسة صدرت عن «معهد أبحاث الأمن القومي» في جامعة تل أبيب ورَد أنّ احتمالات التسوية حول النزاع البحري القائم بين لبنان وإسرائيل لن تتحسّن في ظلّ وجود الحكومة الجديدة التي تضمّ 18 وزيراً لـ«حزب الله» وحلفائه من أصل 30 وزيراً، ما يعني أنّ التنقيب عن الغاز في البحر سيخضع لشدّ حبال جديد وكبير وربما خطير.