من مكر التاريخ أنّه يقلب أهداف أحداثه وغاياتها رأساً على عقب، قامت أوائل القرن العشرين ثوراتٍ إشتراكيّة وثورية لتحرير الشعوب من "موبقات" الرأسمالية والقضاء على أنظمة الاستبداد، لينتهي بها الأمر باضطهاد وقمع ملايين البشر الذين جاءت لخلاصهم.
أراد هتلر إقامة مجد ألمانيا وعظمتها بسحق وغزو الشعوب الأوروبية، وانتهى به الأمر بحربٍ عالمية حصدت أكثر من خمسين مليون ضحيّة، ودمار معظم أوروبا بما فيها ألمانيا.
إقرأ أيضًا: مناقشات الثّقة النيابية.. مطاردة شبح الفساد ومواعيد عرقوب
عندنا في لبنان، وطبعاً مع حفظ الفارق والقياس، انتهت حركة المحرومين التي أنشأها السيد موسى الصدر إلى حركة للمُتخمين والمُرفّهين، واجتاحت القوات السورية لبنان عام 1975 للحفاظ على وحدته واستقلاله، وانتهى بها الأمر بوصاية سورية كاملة لحوالي ثلاثين عاماً، واجتاحت القوات الإسرائيلية لبنان عام 1982 لطرد منظمة التحرير الفلسطينية المسلّحة عن حدودها الشمالية، لتتسبّب باستجلاب الحرس الثوري الإيراني بذراعه حزب الله إلى تلك الحدود، وباجتياح إسرائيل للبنان اجتاحت مع الفلسطينيّين الحركة الوطنية اللبنانية بقواها الفاعلة على الساحة اللبنانية، لتخلو هذه الساحة بعد ذلك، إلى خصومها الاسلاميّين الشيعة، المنضوين تحت حركة "أفواج المقاومة اللبنانية" المدعومة من سوريا والتي يرأسها الأستاذ نبيه بري بعد إخفاء الإمام موسى الصدر عام1978، ليختفي بعد ذلك قادة الحركة الوطنية اللبنانية عن المشهد السياسي، ويتقدّم قادة حركة أمل مواقع الصراع في الحرب الأهلية اللبنانية قبل أن تحضر إيران إلى الساحة جنباً إلى جنب مع حركة أمل، وذلك بعد صراعٍ مرير، بقيادة حزب الله، ولينتهي الأمر اليوم بوضع اليد على المجال الشيعي (وعلى المجال اللبناني بمعظمه ربما)،
إقرأ أيضًا: من تداعيات مأساة زريق .. الإفادة المدرسية حقٌّ مقدّس للطالب
ومن مجرياته أن يقف اليوم النائب عن حزب الله السيد نواف الموسوي في مجلس النواب اللبناني بلهجةٍ استفزازية قائلاً أنّ الرئيس الراحل بشير الجميل جاء على متن دبابة إسرائيليّة، ويُغفل الموسوي (جهلاً أو تعمية) أنّ الشهيد بشير الجميل دافع عن سيادة لبنان وسلامة أراضيه عام 1982 بشهادة أمين عام حزب الله عام 2005، خلال خطابٍ انتخابيٍّ له مُشيداً بشعار بشير الشهير: لبنان ال10452 كلم مربع، وأنّ بشير كان محكوماً طوال الحرب الأهلية بمجرياتها وظروفها واكراهاتها، وبات منذ زمنٍ طويل في ذمّة التاريخ، يرقد في قبره بسلام، بعد أن غادر هذه الدنيا الفانية، في حين ينعم الموسوي وزملاؤه وأقرانُه منذ اغتيال الجميل وحتى اليوم ب"بركات" الدبابة الإسرائيلية.