خرجت ملايين من المواطنين الإيرانيين في مسيرات شعبية عارمة يوم الأحد في جميع المدن.
ورغمًا للولايات المتحدة دخلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية العقد الخامس من حياتها مع الاحتفاظ باستقلاليتها عن نظام الهيمنة العالمية التي تقودها أمريكا خاصة بعد إقصاء عدوها الشيوعي الإتحاد السوفيتي.
ان النظام الإيراني شأنه كأي نظام آخر له ايجابيات وسلبيات ومسار حافل بالخبرات والعبرات والدروس.
في السياق، ان تقلبات المواقف والاستراتيجيات التي اتخذتها وانتهجتها إيران طيلة تلك العقود الأربعة ليس خافيًا على أحد، فإن الخطاب المسيطر على النظام في السنوات الأولى كان يتمحور حول تصدير الثورة من أجل تحرير المستضعفين في الأرض الا أن النظام الجديد سرعان ما التفت بأن عليه أن يحتكم إلى منطق الدولة بدل منطق الثورة، فضلًا عن أن الثورة لم تتمكن من تصدير نفسها بل إنها تعرضت إلى حرب هددتها للزوال.
ولا يمكن تجاهل حقيقة صمود الشعب الإيراني الشرس في وجه اعداءه الأجانب وبالتزامن مع تلك الحرب التي شنها صدام حسين، شنت منظمات إرهابية على غرار مجاهدي خلق في الداخل حربًا اهلية في الداخل ودخلت في صراع دموي مع السلطة على السلطة.
إقرأ ايضًا: وسطاء أوروبيون وعرب للتطبيع بين أمريكا وإيران
وبالرغم من أن تلك المنظمة الإرهابية اليسارية عارضت الجمهورية الإسلامية عسكريًا وايديولوجيًا إلا أنها تركت بصمتها في قلب النظام حيث نجحت في جر النظام إلى سباق العداء لأمريكا لم يخلص منه النظام حتى اللحظة.
وان العداء للولايات المتحدة لم تكن أساسا من شعارات المتظاهرين قبل انتصار الثورة الإيرانية ولكن الأجواء اليسارية المسيطرة على الرأي العام العالمي تركت تأثيرها على الجمهورية الإسلامية ودفعتها باتجاه المواجهة مع الولايات المتحدة التي سماها الإمام الخميني بالشيطان الأكبر.
وعندما اقتحم الطلاب الجامعيون الثوريون مبنى السفارة الأميركية في طهران لم يتذكر احد منهم أن الرئيس الأمريكي جيمي كارتر هو الذي حذر الشاه من قمع المتظاهرين.
في المقابل، بقي كره أمريكا وشعار الموت لأمريكا كأحد الثوابت للجمهورية الإسلامية لدرجة يرى الرئيس الامريكي ترامب أن هذا الشعار يشكل احدى العقبات أمام التطبيع مع إيران. ولكن المرشد الإيراني آية الله خامنئي يفسر شعار الموت لأمريكا بأنه الموت لترامب وبومبيو وبولتون وليس الموت للشعب الأمريكي.
إقرأ ايضًا: أمير عبداللهيان يحلّ ضيف شرف على بغداد
إذًا، ان هذه العداء التي تجاوزت حدودها المألوفة عند الآخرين دفعت بالولايات المتحدة إلى الدخول في صراع طويل مع طهران طيلة اربعين عاما. تلك العداء استنزفت طاقات إيران لأربعة عقود وستستنزف لعقود آتية ولكن الإيرانيون ربما لا يستبدلون التبعية بالاستقلال.
نعم ان منسوب الحرية لدى المجتمع الايراني هو اقل بكثير من منسوب استقلالية الدولة عن القوى العالمية الكبرى ولكن الشعب الإيراني يعطي الأولوية إلى الاستقلال ويدفع ثمنه ولا يستعين بالأجنبي.
وكدليل واضح على تلك النزعة هو ان المعارضين الإيرانيين المؤثرين على الساحة السياسية عند ما يغادرون بلادهم ويلجؤون إلى أمريكا أو أوروبا يفقدون رصيدهم السياسي والإعلامي.
ان الجمهورية الإسلامية قد اتسع نطاق استقلاليتها بعد 4 عقود والآن هي بحاجة إلى توسيع نطاق الحريات في الداخل وتوسيع العلاقات مع الجيران والعالم والخروج من أعباء العداء للشيطان الأكبر.
فان الله الذي يقدر على كل شيء لم يقض على إبليس فكيف تريد إيران القضاء على أمريكا؟!