ولفت مراقبون إلى أن تشديد روحاني على “حضور الشعب” هدفه التقليل من حجم الاحتجاجات الشعبية التي تجتاح المدن الإيرانية منذ نوفمبر الماضي، والتأكيد على امتلاك النظام شرعية شعبية تضاف إلى الشرعية الثورية التي يتفاخر بها منذ عام 1979. حتى أن التلفزيون الإيراني الرسمي الذي بث صور الحشود في طهران والعديد من المدن الإيرانية، حذر من التضليل الإعلامي “لبعض وسائل الإعلام الأجنبية المعادية” التي يشتبه بأنها تحاول التقليل من أرقام المشاركة الشعبية في هذه المناسبة.
وتعكس مواصلة طهران إطلاق خطاب مهدد للدول الكبرى، فشلا ذريعا لنظام الولي الفقيه في إنتاج رؤية حديثة للدولة في إيران تحاكي شروط العصر وأصول العلاقات الدولية.
وما زالت القيادة الإيرانية ومنذ أربعة عقود مستمرة في الهروب من الاستحقاقات الحقيقية للمجتمع الإيراني من خلال سياسة خارجية متهورة هدفها تصدير مشاكل الداخل نحو الخارج، خاصة أن التصريحات الرسمية الصادرة عن القيادات السياسية والعسكرية للدولة تشبه في صيغها ما تطلقه الميليشيات وليس الدول من مواقف.
وتعيد التهديدات التي صدرت من طهران بهذه المناسبة ضد إسرائيل تصريحات الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بحرق نصف إسرائيل، ولم تحظ بأي اهتمام خارجي، وهي موجّهة للرأي العام الداخلي في محاولة لرفع سقوف التخويف لدى الشعب الإيراني.
وإلى الآن لم تكتسب التهديدات الإيرانية لإسرائيل أي مصداقية خصوصا أن إيران لم ترد على العشرات من الغارات التي شنتها إسرائيل ضد أهداف إيرانية داخل سوريا.
ونقلت وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء عن يد الله جواني مساعد قائد الحرس للشؤون السياسية قوله “لا تملك الولايات المتحدة الشجاعة لإطلاق رصاصة واحدة علينا رغم كل إمكانياتها الدفاعية والعسكرية. ولكن إذا هاجمونا فسنمحو تل أبيب وحيفا من على الأرض”.
وفيما لم يصدر عن أي دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة، أي تهديد أو تلميح بشن حرب ضد إيران، ركزّت التصريحات الصادرة عن كبار الضباط الإيرانيين على التهديد بقوة إيران لصدّ أي حرب محتملة.
وقال الجنرال رمضان شريف المتحدث باسم الحرس الثوري إن إيران “وصلت إلى مستوى عال لحماية حدودها بقدراتها العسكرية الفعالة وستعاقب بحزم أي معتد”.
والظاهر أن مسألة الضغوط الدولية لسحب النفوذ الإيراني من دول المنطقة بدأت تقلق القيادة الإيرانية وباتت تشعر بجديتها.
وتقول بعض المصادر إن تلك الضغوط ليست تقليدية كتلك التي تمارسها الولايات المتحدة ضد إيران منذ انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي، بل إن ما صدر عن الاتحاد الأوروبي من إدانة للسلوك الإيراني في المنطقة ولبرنامج إيران للصواريخ الباليستية واتهام طهران بالوقوف وراء عمليات إرهابية في بلدان أوروبية، وما يصدر عن موسكو من إشارات بشأن ضرورة انسحاب إيران من سوريا، كلها عناصر تؤكد أن هناك منحى شاملا يريد القطع مع الاستثناء الإيراني في المنطقة.
وقال الجنرال حسين سلامي نائب قائد الحرس الثوري الإيراني إن طهران لن تسحب قواتها من المنطقة ورفض الدعوات الأميركية بضرورة كبح نفوذ طهران الإقليمي.
وأضاف أنه “لا يمكن أن يطلب منا العدو الرحيل عن المنطقة. هم يجب أن يغادروا المنطقة (…) وسنساعد أي مسلم في أي مكان في العالم”.
ويرى خبراء في الشؤون الإيرانية أن ما صدر في احتفالات الذكرى الأربعين للثورة يفصح عن محدودية هامش المناورة الإيراني وفقدان طهران لرشاقتها السياسية في مقاربة المشهد الدولي.
ويؤكد هؤلاء أن تشدد الخطاب الإيراني، لاسيما تصريحات روحاني حول أن إيران “لم تطلب ولن تطلب أبدا من أي جهة الإذن لزيادة قدراتنا الدفاعية أو صنع أي نوع من الصواريخ”، قد تكون مناورة يراد منها شد عصب المناصرين للنظام وتوحيد تياراته، لكنها قد تكون أداة من أدوات الاستعداد لطاولة مفاوضات ستضطر إليها طهران مع واشنطن وعواصم العالم الكبرى.
وتتهم الولايات المتحدة وأوروبا إيران بـ”زعزعة استقرار” الشرق الأوسط بسبب الدعم العسكري والمالي الذي تقدمه إلى النظام السوري وحزب الله اللبناني. وتوتر مسألة الصواريخ الإيرانية العلاقات بين طهران والدول الغربية.