قرأت «ألف ليلة وليلة» يافعاً، أي قراءة اليافعين. ثم أعدت قراءة معظمها في الثمانينات، بتأثير من إعجاب الشاعر الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس بها، وإعجابي الكبير به. ومنذ أشهر عدت إلى قراءتها بهدف إلقاء نظرة أكثر نضوجاً على هذا العمل، ووضع سلسلة مقالات عنه.
في البداية وجدت الانطباع مزعجاً، وقررت أن أكمل. وقد أغرتني في ذلك المقتطفات الشعرية التي انتقاها واضعو «ألف ليلة» دعماً لحكايات شهرزاد. لكنني لاحظت ما غفلت عنه في الماضي من كثرة العاميات وضعف السرد. ثم أخذت ألاحظ التقزز، بذاءة الكلمات وسوقيتها. وكلما مضيت في استقراء الليالي، وجدت كثيراً من الفجور والإباحية وسقط الأذواق.
ولا أدرى أين وجد بورخيس وسواه من الغربيين مثار الإعجاب الأدبي في هذا الأثر الفارسي العربي الهندي. وقد تعبت في محاولة معرفة أصول كتابها من خلال الكلمات العامية الواردة في النصوص. وهي نصوص ظلت تضاف حتى القرن التاسع عشر، وكان آخرها حكاية مغارة علي بابا، التي أضافها مهاجر من حلب في باريس، وهي خالية من الألفاظ النابية وبذاءات الأفكار. وأما الشعر الذي كنت أبحث عنه، فمنه كثير؛ لكن الثمن مريع. فأنت تقع على شعر الغلمان وآدابهم. ولما كنت تتوقع أن يكون أبو النواس بن الأرذلين ويمكنك أن تتحاشى سلفاً قراءته، يفاجئك أن أبا العتاهية كان ممن تقولوا في تلك المسائل.
النصوص السردية، كما قال الدارسون، ذات أصول فارسية في الأساس؛ لكن معظم الشخصيات عربية، والمجتمع الأساسي الذي تصوره هو مجتمع بغداد، إضافة إلى المجتمعات والجزر والبلدان الخيالية.
طبعاً، وضع الكتاب في زمن معين، على أيدي مستوى معين من الرواة والحكواتية، من أجل مستوى معين من الناس. لكن لا يمنع أنه حشو من الرداءات، أولها اللغة. وبعكس «كليلة ودمنة» الذي جاءنا أيضاً من الآداب الشرقية، فإن اللغة التي عرَّبه بها ابن المقفع، أنست الناس أنه منقول.
بدأت قراءة «ألف ليلة» وفي اعتقادي أنني قد أضيف بحثاً جديداً في هذا العمل الأدبي المتناول والمتناقل عبر العصور. هذه أكثر مرة أقرؤها في تأنٍّ، وآتي على الجزء الأكبر منها. وقد اكتفيت. لا يمكن أن أضيع الوقت مرة أخرى. لم يقرأ بورخيس النص العربي. لقد شذبه الإفرنج.
سمير عطا الله