في المرحلة الأولى من تسلُّم عماد كريدية موقعه بعد الإقصاء الشرس للمدير العام السابق لـأوجيرو عبد المنعم يوسف والفريق العامل معه ، بدون مسوغٍ قانوني ، باشر كريدية إتخاذ سلسلة قراراتٍ أطاحت بالتركيبة القائمة لصالح معادلة التسوية الرئاسية في حينه ، فغلب العنصر العوني وتقدّم الثنائي الشيعي على حساب الوجود السني
فاجأ مدير عام هيئة أوجيرو عماد كريدية اللبنانيين بسلسلة قراراتٍ لاقت إستنفاراً وهجوماً من مسؤولي ونواب التيار الوطني الحر الذين دعوا إلى وقفها فوراً تحت ذريعة أنها تمسّ بالتوازن الطائفي والحزبي في "أوجيرو" ، بينما لاذت الأطراف السياسية الأخرى بالصمت حتى الآن.
أصدر كريدية قرارين ، الأول في الخامس من شباط الحالي حمل الرقم 21/م ع 2019 ينص على خلق قطاعات ومناصب جديدة ومناقلات وتكليف 50 عاملاً في الهيئة بين مستكتبين وملحقين ومياومين.
وصدر القرار الثاني في السادس من شباط حمل الرقم 20/م ع 2019 يقضي بإنشاء مديرية للعمليات.
• حملة عونية شعواء
ثارت ثائرة التيار الوطني الحر لحظة صدور هذه القرارات وإندلعت حملة سياسية وإعلامية إمتدت إلى وسائل التواصل الإجتماعي ، وخصصت لها قناة "الجديد" تقريراً منحازاً ومفصلاً تضمن تصريحاً للنائب نقولا الصحناوي زعم فيه أن التعيينات "ليست مقبولة لأنها تمسّ بالتوازنات في "أوجيرو" وأنها لم تأتِ بالتنسيق مع مجلس الإدارة ولا مع المدراء ، لذلك لن نقبل بهذا الوضع".
ورأى الصحناوي أنه بقصدٍ أو بدون قصد فإن هناك إستهدافاً أكيداً للتوازنات الطائفية والحزبية داخل الهيئة وهذا أمر غير مقبول ونحن لن نقبل به وهذا ما أوصلنا إلى المعنيين ونطلب الرجوع عن هذه القررات بشكل فوري".
ونقلت قناة "الجديد" عن ما أسمته مصادر مقربة من رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أنه ممتعضٌ من الموضوع وطلب وقف تنفيذ هذه القرارات وأنها موضوع أولوية لوقف هذه الهجمة على الموظفين المحسوبين عليه في أوجيرو.
في المقابل أكد كريدية أن المناقلات أتت وفق الأصول وهي لتحسين الإدارة ولا تستهدف أطرافاً سياسية وهي أمرٌ طبيعي وليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة.".
إقرا أيضا:خروج آخر الكبار!
• أبعاد الإشكال الراهن
في المرحلة الأولى من تسلُّم عماد كريدية موقعه بعد الإقصاء الشرس للمدير العام السابق لـ"أوجيرو" عبد المنعم يوسف والفريق العامل معه ، بدون مسوغٍ قانوني ، باشر كريدية إتخاذ سلسلة قراراتٍ أطاحت بالتركيبة القائمة لصالح معادلة التسوية الرئاسية في حينه ، فغلب العنصر العوني وتقدّم الثنائي الشيعي على حساب الوجود السني (بما فيه تيار المستقبل) التاريخي في الهيئة.
• نتائج كارثية
نتيجة التركيبة القسرية المتسرعة التي أوصلت مدراءَ ومسؤولين ، بالقرار السياسي وليس بعامل الكفاءة ، إختلت موازين العمل في "أوجيرو" وتردّت الخدمات وإنحدر مستوى الإتصالات وتراجعت المداخيل ، وسادت الفوضى نتيجة إستبداد بعض الأطراف السياسية وإصرارها على فرض توجهاتها ومصالحها وموظفيها في المواقع المؤثرة ، حتى وصلت شظايا النزاع إلى الصدام بين المدير العام كريدية ووزير الإتصالات السابق جمال الجراح إلى الإعلام والقضاء..
أدت هذه السياسات إلى كارثة في عمل "أوجيرو" فتراجعت جودة الخدمات بشكلٍ غير مسبوق ، لأن أغلب من تولَّوا المواقع المؤثرة في الإنتاج من الفريق الجديد لم يتمتعوا بالكفاءة المطلوبة ، كما أنهم إنشغلوا بتحصيل المكاسب الشخصية والحزبية على حساب مصلحة المؤسسة.
• حتمية إستعادة التوازن
أدرك كريدية انه سيجد نفسه أمام كارثة فعلية لن يتحمل مسؤوليتها سواه على المستوى الشخصي وعلى مستوى موقعه الوظيفي ، فبادر إلى إتخاذ قراراتٍ ومناقلات لوقف الإنزلاق الحاصل ووقف التدهور في الخدمات.
ومع وصول الوزير محمد شقير إلى الوزارة ، وإتضاح مخاطر السياسة السابقة ، دخلت "أوجيرو" مرحلة إستعادة التوازن ، وليس الإستهداف للتيار الوطني الحر.
ما يحصل عملياً هو إعادة الأمور إلى نصابها بعد أن تغوّل "العونيون" و "الجبرانيون" في مفاصل الهيئة وإستولوا على ما ليس من حقهم ، لكنهم يتصرفون دائماً على أن أيّ موقعٍ في الدولة يصبح ملكاً حصرياً لهم إذا وصلوا إليهم في أي محطةٍ من محطات التداول السياسي والإداري في العمل العام.
ليس للإعتراض العوني قيمة سياسية أو إدارية ، لأن المحسوبين عليهم جاؤوا إلى حيث كانوا بالآلية نفسها التي يعترضون عليها اليوم ، لكن الفارق أن القرارات السابقة كانت لصالحهم ، بينما هي اليوم تعيد التوازن الحقيقي إلى الهيئة.
هذا ، مع التذكير بأن العونيين عطّلوا ويعطلون تعيينات كاملة المواصفات في كثيرٍ من مواقع الدولة ويمنعون الناجحين في إمتحانات مجلس الخدمة المدنية لأنهم مسلمون ولعدم وجود مسيحيين في دورات المجلس ، رغم أن الوظائف المعنية لا يشملها القانون بالتوازن الطائفي.
• أهدافٌ تستحق المواجهة
من خلال تقييم الأداء الفردي والجماعي في "أوجيرو" بعد سنتين من توليه منصبه ، يخوض عماد كريدية اليوم معركة إعادة التوازن الحقيقي وتصحيح الخلل في "الهيئة" من خلا ل تدوير المناصب بهدف تغيير وتطوير أساليب العمل . لذلك يتعرّض لحملةٍ شعواء من سياسيين ومن إداريين يجهرون بإنتمائهم الحزبي والطائفي ويستخدمونه أداة للإستهداف في "أوجيرو" أمثال هادي بوفرحات ، ولا ندري كيف يمكن لموظف أو مدير أو عضو مجلس إدارة أن يهاجم مديره العام على وسائل التواصل الإجتماعي بهذا الشكل المكشوف بدون أن يأخذ بعين الإعتبار أصول التخاطب وآداب التعاطي الإداري والشخصي؟!
هذه الحملة تأتي رغم أن كريدية لم يفعل سوى إستخدام صلاحياته لإصدار القرارات التي تجري الضجة حولها ، مع حفاظه على التوازن الطائفي وهو لم يعزل أحداً من منصبه ، وكل ما جرى كان إعادة توزيعٍ للمراكز وتحريك للركود الإداري والوظيفي.
• نقدُنا بنـّاءٌ وموقفنا موضوعيّ
عندما كنا نرى خطأ قراراتِ وخياراتِ السيد كريدية إنتقدنا تلك التوجهات وكتبنا وكشفنا مكامن الخطأ والخطر ، وحذّرنا من النتيجة التي وصلت إليها هيئة "أوجيرو" الآن.
لكن اليوم ، ومع ما يبديه كريدية من إصرارٍ على إصلاح الوضع في الهيئة من خلال إجراءاتٍ ناجعة ، فإننا نعلن بوضوح وقوفنا إلى جانبه وإلى جانب الوزير محمد شقير في هذا التوجه الجديد ، كما نأمل أن تكون القرارات الجديدة مدعومة من الرئيس سعد الحريري لتكون محمية في وجه الحملة الهمجية التي يتعرض لها كريدية من قبل التيار الوطني الحر ، ولتكون محمية من الضغوط والإستهداف ، لأن نواب هذا التيار يعلنون بوضوح أنهم لن يسمحوا للتحرّك الإصلاحي بأن يمرّ ، وهنا تقع المسؤولية على المرجعية السياسية المتمثلة بالرئيس الحريري وبالوزير شقير ، وسيكون لدعمهما هذا الموقف الكثير من الآثار الإيجابية على الصعيد الإداري والإنتاجي في "أوجيرو" وعلى الصعيد السياسي والشعبي في بيروت والمناطق كافة.
• أخيراً ، ضرورة إنصاف ضحايا المرحلة السابقة
شعر أهل بيروت وكثيرٌ من اللبنانيين بالأسف والأسى عندما شاهدوا المسار المنحدر لمؤسسةٍ تعتبر من أعرق المؤسسات العامة وأكثرها تطوّراً ، وهم اليوم يساندون مسار الإصلاح وإعادة التوازن ، وهنا يمكن التوقف عند مسألتين هامتين:
ــ الأولى: أن قرارات الإصلاح مناسبة لإستعادة الثقة بالمؤسسة ، التي تعرّضت للإهتزاز نتيجة العوامل والصراعات السياسية والإدارية المتداخلة.
ــ الثانية: أنه لا بدّ من إنصاف ضحايا المرحلة السابقة الذين دفعوا أثمان الجور والظلم السياسي أو التجاهل الإداري على حسابهم لصالح الأطراف المهيمنة ، وهؤلاء هم الجنود المجهولون في "أوجيرو" الحريصون عليها وهم حماتـُها الحقيقيون من العابثين بإستقرارها لأنهم يشعرون بالإنمتاء إليها كمؤسسة وطنية لا كما يعتبرها غيلان السياسة منجم مالٍ وخدمات..