بزيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى لبنان، يمكن اعتبار الكلام الذي أطلقه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مؤخراً، كان مقدّمة لهذه الزيارة، والتي ستتضمن طرح جملة مشاريع ومبادرات إيرانية تخصّ الشأن اللبناني. يمكن فرز الزيارة إلى قسمين. الجانب المعنوي، والذي يتعلّق بإبراز إيران لحضورها وتأثيرها وفعاليتها على الساحة اللبنانية، خصوصاً بعد تشكيل الحكومة، التي يرى البعض فيها انتصاراً لحلفاء إيران. والجانب العملي، الذي تستعد طهران من خلاله إلى تقديم العديد من العروض.
خطف الأضواء
الزيارة الأخيرة لظريف كانت قبل أكثر من سنتين، وحدثت للتهنئة بانتخاب رئيس الجمهورية ميشال عون. وكانت الرسالة المعنوية حينها، أن إيران حققت انتصاراً في ذاك الانتخاب. اليوم، تأتي زيارة ظريف للتهنئة بتشكيل الحكومة، وما تعتبره إيران بأنه تجلّ جديد لانتصاراتها على الساحة اللبنانية، خصوصاً أن ظريف هو المسؤول الإقليمي الأول الذي يحطّ في بيروت للتهنئة، في استباق إيراني واضح للنتائج. وما أن أُعلن عن زيارة ظريف، حتى أُعلن عن زيارة لمسؤول الملف اللبناني في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا إلى لبنان. لكن الإيراني يستطيع خطف الأضواء دوماً، والظهور بموقع المبادر.
تتزامن زيارة ظريف إلى بيروت مع الذكرى الأربعين لانتصار الثورة الإسلامية. ومشاركته في أحد الاحتفالات التي تنظّمها السفارة الإيرانية في بيروت، لها دلالات بارزة، لا سيما أن إيران وحلفائها يسعون دوماً للتأكيد بأن لبنان من حصّتهم وإلى جانبهم، بالإستناد إلى الوقائع على الأرض. وليس صدفة الحضور الإيراني بهذا الكمّ من المشاريع، التي سيعرضها ظريف والوفد التجاري والاقتصادي المرافق له، بالتزامن مع الحضور التركي البارز والروسي أيضاً في جملة ملفات لبنانية.
تنظر إيران إلى لبنان بأنه إحدى الساحات المفتوحة أمامه، والتي تتمتّع بدور بارز فيها، خصوصاً بعد تشكيل الحكومة، وفي موضوع مواجهة الحصار الأميركي. يختلق الإيراني المبادرة تلو المبادرة، ويحرص أن يقدّم نفسه بصورة المبادر الفاعل، لا المتعاطي بصيغة ردّ الفعل. قبل فترة، زار ظريف العراق، بعد الزيارة التي أجراها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى هناك، وكذلك زيارته الشهيرة بعيد إقرار العقوبات الجديدة على طهران، والتي استطاع ظريف حينها انتزاع إعلان من العراقيين بعدم الالتزام بهذه العقوبات. وهذا ما تحاول إيران أيضاً تطبيقه في لبنان، الذي تأتي الزيارة إليه على أبواب مؤتمر وارسو، وبخاصة أن لبنان رفض المشاركة في ذلك المؤتمر.
المشروع القديم
يسعى الإيراني إلى التأكيد بأن لبنان لا يمكن أن يكون ضمن المنظومة الأميركية، التي تفرض حصاراً على إيران، استناداً إلى اختلال التوازن فيه لصالح حلفائه. والنظرة الإيرانية الأبعد من ذلك، هي استخدام لبنان كمنصّة لتواصل النظام الإيراني مع القوى والساحات الأخرى، انطلاقاً من الساحة اللبنانية.
في حكومة الرئيس سعد الحريري الاولى في العام 2009، تقدّم الإيرانيون بخطّة شاملة للبنان، عنوانها أن يتحول لبنان لمنصة تواصل مع دول آسيا وأفريقيا وأوروبا، من خلال جملة من المشاريع الكبرى، في مجالات متعددة، تبدأ بالبنى التحتية وإنشاء الجسور والأوتوسترادات، ولا تنتهي بملف النفط والغاز. يتعاطى الإيراني بصيغة أنه قادر على خلق تعاون استراتيجي مع لبنان، بالإستناد إلى موقعه الجغرافي ربطاً بسوريا والعراق. هذا المشروع القديم، والذي توقف بسبب الأحداث السورية، تسعى إيران إلى اعادة استنهاضه بعد وقف العمليات العسكرية، ومن خلال سيطرتها على مفاصل أساسية من الجغرافية السورية.
عسكر واقتصاد
تأتي الشخصيات الإيرانية إلى لبنان، بعناوين "تواصلية" أو انفتاحية على كل القوى السياسية، وهي تركّز دوماً على منطق الحوار بين القوى المتخاصمة. وهذا يدلّ على سياسة هادئة يعتمدها الإيراني، بموازاة سياسة التصعيد التي يتّبعها. السفير الإيراني في بيروت، يستعدّ للتحرك باتجاه الإنفتاح على مختلف القوى اللبنانية المتعارضة في الفترة المقبلة. وتترابط مع تقديم إيران للعديد من العروض التعاونية، في مختلف المجالات، الاقتصادية والعسكرية. الوفد المرافق لظريف سيتقدّم بعرض توفير حاجة لبنان من الكهرباء، لأن طهران لديها فائض 7 آلاف ميغاوات من الإنتاج.
يركّز الإيراني على إثبات حضوره في لبنان، ويرتكز على تقديم عروض كبيرة ومغرية، على غرار الإستعداد لتقديم للبنان كل ما يريده، وهذا سيكون له موضع إحراج للبلد، الذي يقدّم له الإيراني كل ما يريده، بينما هو يرفض ذلك.. بسبب ارتباطه بالتوازانات الإقليمية والدولية. وهذا سيتحول إلى جزء أساسي من النقاش السياسي في لبنان على قاعدة الانقسام، حول أسباب رفض المساعدات الإيرانية، مقابل قبولها من قوى أخرى. الصورة التي يمكن استخلاصها، أن ثمة فارقاً نوعياً بين الأفرقاء. هناك فريق موجود يبادر، يخطط، يتقدّم بأفكار وطروحات وبرنامج، ويتمتع بحركة واسعة متعددة الاتجاهات، وبرؤية واحدة ومعروفة. بينما القوى الأخرى لديها توجهات متعددة، غير واضحة المعالم، فاقدة لأي حركة، أو مبادرة، بل وحتّى "حضورها" يبدو "غياباً".