عن المد الاسلامي الذي ظهر قبل أربعين عاما من اليوم، لم تكتب الرواية الكاملة، لأنها لم تبلغ خواتيمها بعد. الثورة الاسلامية التي جاءت من الغرب، وعلى متن طائرة غربية، وبمواكبة جوية غربية، وبخطة إستراتيجية غربية، إنحرفت عن مسارها الاصلي. بدل أن تكون وجهتها شمالية، إتجهت نحو الحدود مع العراق، وتمددت، ثم تمركزت في العالم العربي وحده، حيث كان هدف التصدير الاول.. ولم يزل.
في ذلك التاريخ ، حط الامام الخميني في طهران، بعدما فُتح المجال الايراني لطائرة "إير فرنس" الحاملة للوعد الاسلامي. وما زال سلاح الجو الايراني الذي إلتزم بالتعلميات الغربية، يحظى بالثناء. له يوم خاص في إحتفالات الثورة، ولقاء سنوي مميز مع المرشد..مع أنه لم يعد سلاحاً فعالاً، يمتلك أحدث الطائرات المقاتلة، كما كان عليه في عهد شرطي الخليج الشاه محمد رضا بهلوي.
كان برنامج المرشد الاول، إلهياً ، لكنه لم يكن جوياً. كان تصدير الثورة نحو العراق عملية برية بسيطة، سهلة، تتردد اصداؤها بسرعة في السعودية مع جهيمان، وفي مصر مع خالد الاسلامبولي، وفي سوريا مع تمرد الاخوان المسلمين، وفي لبنان مع تأسيس حزب الله، وفي أفغانستان مع ظهور نواة حركة طالبان.. في أقل من عام ، كان العالم العربي قد تعرض لزلزال مدمر. وكان الاسلام السياسي يتحول من فكرة الى حالة ثم الى خطة، وكان رجال الدين المسلمين يصيرون نجوماً، يصنعون الاقدار، ويحددون مصير الأمة.
في العام الاخير من السبعينات، كان كل شيء قد بدأ، ليستمر طوال أربعين سنة عجاف. ثمة من يظن أنها مجرد البداية، وما زال أمام العالم العربي والاسلامي أكثر من أربعين سنة، لكي ينجو.. مركز ذلك المد مستقر، وراسخ. الاخبار الواردة من إيران، في أربعينية الثورة، لا توحي بأن النظام في خطر. ما يزيد على مليوني مسلح يمكن أن يحبطوا أي تحرك شعبي، ضد رجال الدين وفسادهم وسوء إدارتهم و"إستكبارهم". لا يمكن ان يسقط النظام إلا إذا إنفجر من الداخل، من قمة الهرم.
حسب المرشد، لا بد من تعديل شعار "الموت لأميركا"، ليصبح "الموت لترامب وبولتون وبومبيو"، وهو تنازل بسيط جدا، لن يتنبه له الكثيرون من الاميركيين الذين يهتفون بشعارات أقوى ضد ذلك الثلاثي الاميركي المجنون. الاعتراف الذي أدلى به الرئيس حسن روحاني بأن إيران تواجه أسوأ أزمة منذ أربعين عاماً، لا يكفي لوقف المدّ، او حتى لإعادته الى داخل حدود إيران. أما الكلام الذي قاله علناً أحد أعضاء مجلس الشورى الايراني مؤخراً عن أن مصير إيران لن يختلف عن مصير الاتحاد السوفياتي الذي تفكك وتلاشى برغم إمتلاكه 30 الف صاروخ نووي ونفوذاً في نصف الكرة الارضية. هو موقف رؤيوي، لن يعجل الفرج.
ما زالت إيران في مرحلة التركيز على صادراتها الثورية المربحة. وها هي ترسخ قواعد تمركزها "الاستراتيجي" في سوريا، بعد العراق واليمن، وتسعى الى المزيد من التغلغل في لبنان، من خلال عرض تسليح الجيش اللبناني مباشرة بالمعدات والخبرات العسكرية الايرانية، بدلا من تزويده بالمال لشراء ما يحتاجه من السلاح من مصادره التقليدية،على ما يفعل بقية حلفاء لبنان وأصدقائه القدامى..الاموال الايرانية ما زالت محرمة على الدولة اللبنانية ومؤسساتها.
في أربعينية الثورة، يحق لإيران أن تشعر أن صادراتها ما زالت تغزو الاسواق العربية، وأن المدّ الاسلامي الذي تسببت به ما زال مرتفعاً. التشوهات الاخيرة التي شهدها هذا المد، لا سيما مع ظهور الكائن العجيب، داعش، تضاف الى الرصيد الايراني، بلا أي شك، وهي تعد بأن الأعوام الأربعين المقبلة لن تكون أفضل من سابقتها، لا على الايرانيين ولا على العرب ولا على المسلمين أجمعين.. لا سيما أولئك الذين يتوهمون أن الاميركيين أوالروس يواجهون فعلاً هذا المدّ.