لا تختلف مسألة فنزويلا اليوم عن مسائل سابقة أخرى عبر تاريخ طويل من صراع المصالح الدامي بين المعسكر الأميركي الأوروبي، والروسي الصيني. أما الاختلاف البسيط هذه المرة عما سبق فهو باتفاق المصالح التركية الإيرانية مع مصالح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في البكاء على شعب فنزويلا المهدد بالعدوان الأميركي “الغاشم”، وفي إعلان علي خامنئي ورجب طيب أردوغان النفير العام ضد التدخل في شؤون دولة مستقلة ذات سيادة.
ويمكن أن نتفهّم غضب الثلاثة، بوتين وخامنئي وأردوغان، على الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسبب تدخله في شؤون فنزويلا، لأن أسباب غضبهم معروفة. فهم، جميعا، مجموعون، بحكم المصالح المتحدة،على معاداة أي شيء يأتي من الولايات المتحدة، أيا كان، ومهما كان، خيرا أو شرا، صدقا أو كذبا، ومتفقون على إعلان الحرب على أي موقف من مواقف حكوماتها، حتى لو كان خالصا لوجه الله والديمقراطية وحقوق الإنسان.
ولكن ليست مفهومة ولا مهضومة تلك الدموع التي ذرفها على سيادة فنزويلا المنتهَكة أشقاؤنا المثقفون العروبيون، عراقيين وأردنيين بشكل خاص، “تضامنا كاملا وغير مشروط مع جمهوريّة فنزويلا البوليفاريّة الحرّة وشعبها المناضل بقيادة الرئيس نيكولاس مادورو في مواجهة التّهديدات الإمبرياليّة الأميركيّة السافرة والمتصاعدة”، كما ورد في بيان أصدروه مؤخرا.
ونرفض هنا اتهامهم بأنهم واقعون تحت وصاية تركية إيرانية أمرتهم أو اقترحت عليهم إصدار ذلك البيان.
وذلك لأننا تعودنا على أن نرى شريحة من مثقفين عروبيين تؤمن بعقيدة واحدة ملخصها أن المثقف لا يكون مثقفا إلا إذا كره الولايات المتحدة، ظالمة أو مظلومة، وإلا إذا أحب أي حاكم يعادي الولايات المتحدة، حتى لو كان من أفسد من خلق الله، وأكثرهم قمعا وإفقارا وتهجيرا لمئات الآلاف من مواطنيه الهاربين من ظلمه، والهائمين على وجوههم بحثا عن لقمة عيش وعن أمن وكرامة.
وكان يمكن أن نحترم بكاءهم ذاك على سيادة “دولة فنزويلا البوليفاريّة الحرّة وشعبها المناضل” لو أن واحدا منهم فقط كتب ذات يوم كلمة واحدة عن دكتاتورية مادورو، ونظامه الذي أقامه بديمقراطية مغشوشة، كغيره من حكام قتلة آخرين ثارت عليهم شعوبهم ورمت بهم في أقرب سلال المهملات.
والمحزن في هذا البعض العروبي أنه يتضامن مع روسيا بوتين وإيران خامنئي وتركيا أردوغان، وهو يرى ويسمع حرارة دفاع هؤلاء عن مادورو وحرارة دعمهم له بكل سلاح ووسيلة، بلا كلل أو ملل، لحمايته من أي عقاب، وخصوصا من دعوة أممية إلى إجراء انتخابات شفافة يتقرر على ضوئها مستقبله، ومستقبل فنزويلا، دون غش ولا تزوير.
فروسيا، مثلا، لا شغل لها اليوم سوى البكاء المر على الديمقراطية في فنزويلا، والتهديد باستخدام حق النقض (الفيتو)، مثلما كان ديدنها، في قرنٍ من الزمان، في الدفاع عن جميع الحكام القتلة واللصوص، ولا تخاف ولا تستحي.
والذي ينبغي أن يقال هنا هو أننا كنا سنؤيد إخوتنا العروبيين هؤلاء، ونضم تواقيعنا إلى تواقيعهم لو كانوا، بدفاعهم عن سيادة الدول وكرامات الشعوب، يقفون في خندق واحد مع أنظمة حكم ديمقراطية حقيقية عادلة عاقلة تحترم كرامة الإنسان، وتقدس حريته وأمنه ورزقه ورزق عياله، ولا تعتدي على سيادة دول أخرى آمنة مسالمة في العالم، وفي عالمنا الثالث المتخلّف، بوجه خاص. ومن حقنا هنا أن نتساءل، ما الفرق بين تدخل الولايات المتحدة وأوروبا، أو روسيا وإيران وتركيا، في فنزويلا، وقبلها في سوريا، وقبل قبلها في ليبيا والعراق وأفغانستان؟
وخلاصة هذا المقال أن الفرق بين الرئيس نيكولاس مادورو وبين خصمه خوان غوايدو هو أن هذا لأميركا وحلفائها الأوروبيين، وذاك لروسيا والصين وإيران وتركيا. أليس هذا هو الخبر اليقين؟