إذا صحّت الأخبار التي تفيد بأن الحكومة السورية منحت إيران الأولوية في عقود إعمار سوريا، فإن ذلك الإجراء هو بمثابة تجسيد حقيقي وصارخ لفساد تلك الحكومة. فما من جهة في العالم بأسره تعرف حجم الكارثة التي يمثّلها الاستسلام للنظام الإيراني مثل النظام الحاكم في سوريا.
أما أن تكون إيران هي التي منعت سقوط دمشق بأيدي المعارضة المسلحة، لذلك تستحق أن تنال مكافأة من ذلك النوع المبتذل، فتلك كذبة روّج لها حزب الله وأتباعه وتبنّاها النظام، رغبة منها في صنع رأي عام سوري مؤيد لاستمرار الهيمنة الإيرانية على جزء كبير من الأراضي السورية.
فعليّا وكما تثبته وقائع الحرب التي شهدتها سوريا فإن روسيا هي التي حالت دون سقوط دمشق، وهي التي منعت انهيار النظام هناك.
وبالرغم من أن كل الأسباب التي يقدّمها النظام السوري لتفسير علاقته بالنظام الإيراني هي أسباب ضعيفة وواهية وغير مقنعة ولا تملك شيئا من المصداقية، فإنها لا تزال تتحكم بتوجهاته التي لا يمكن النظر إليها إلا عن طريق التشكيك بما تنطوي عليه من مشاريع مريبة، تظهر من خلالها الحكومة السورية وجهها الحقيقي الذي لا يُقيم للشعب السوري ومصالحه ومستقبله أي اعتبار.
فما الذي يمكن أن تقدّمه إيران بنظامها الرثّ من أجل إعمار سوريا، وهي التي ساهمت في خرابها وتمزيق وحدة شعبها؟
ثم ما الذي تملكه إيران على مستوى الإعمار وهي دولة دأبت منذ أربعين سنة على نشر ثقافة الموت، ووضعت ثرواتها في خدمة التجهيل والإفقار والعدوانية والمسيرات الجنائزية، وتمويل الميليشيات الطائفية التي هي الصناعة الوحيدة التي تجيدها.
إيران في حقيقتها دولة متخلّفة لا تفخر إلا بتطوير برامجها في صناعة الصواريخ. إنها نموذج للدولة التي أنهكت شعبها في سباق عبثي للتسلح، لا هدف منه سوى نشر الذعر والفوضى في منطقة الشرق الأوسط وتهديد السلم والاستقرار فيها. كان الأوْلى بالحكومة السورية أن تلتفت إلى مستقبل سوريا بعد هذه السنوات العصيبة، بدلا من أن تعد الإيرانيين بمكافأة نهاية الخدمة.
مستقبل سوريا يقع في خيام النازحين ومعسكرات اللاجئين وفي القرى والبلدات التي تعرّض سكانها للتهجير، وفي ما خلفته الحرب من معاقين وأرامل ويتامى وفي المدارس والمستشفيات والمصانع التي هُدمت، وفي المزارع التي صارت أراضيها بورا بعد أن هجرها أصحابها.
فهل يُعقل أن النظام الإيراني الذي لا يفكر في مستقبل الإيرانيين سيكون حريصا على مستقبل السوريين؟
سؤال يكشف عن عمق الهوّة التي تفصل بين النظام السوري والحقيقة. وهو ما يؤكد أن ذلك النظام لم يتعلم شيئا من الحرب التي كادت أن تقتلعه حين مضى في انفصاله عن الواقع. واقعه وواقع الشعب الذي يحكمه.
سوريا التي سعى الإيرانيون وأتباعهم إلى وضعها تحت عباءة الولي الفقيه هي بلد لن يتمكّن الطائفيون من احتوائه لا بالحرب ولا بالسلام. لذلك فإن كذبة إعمارها لن تكون وسيلة صالحة لتمرير غباء النظام السوري وخبث النظام الإيراني.
سيصطدم غباء النظام السوري بصخرة عروبة سوريا، أما خبث النظام الإيراني فلن يجد له محلا في سوريا التي ستظل في الجزء الأكبر منها حريصة على تنوّعها العرقي والديني.
من المؤكد أن النظام السوري وهو قصير النظر سيتعامل مع إعمار سوريا من منطلق تآمري، غير أن ذلك لن ينفعه في شيء. ذلك لأن من يتآمر مع الإيرانيين كمَن يضع رقبته في حبل المشنقة. ليست إيران مستعدة لأن تقدّم رغيفا ساخنا للسوريين ولا حبّة دواء لم يفت زمن استعمالها. فهي لا تملك إلا السموم. لذلك سيكون من الصعب تخيّل سوريا الجديدة وقد شيّدها الإيرانيون.
سيكون علينا أن نتوقّع قيام بلد على هيأة حسينية كبيرة.