بهذه الكلمات، يلخص مسؤول أوروبي كبير صورة المنطقة، ويرسم خريطة احتمالات، بدءًا من لبنان، حيث يعكس:
- ارتياحاً لتمكّنه من تشكيل حكومته، وتمنياً بأن يكون ما ينتظره من مؤتمر «سيدر»، ذا فائدة تستثمر في إعادة إنعاش اقتصاده السيئ.
- الحكومة الجديدة مطالبة بأن تقدّم إنجازات امام المجتمع الدولي، وتقدم للبنانيين إصلاحات.
- تحذيراً من تحديات وصفها بالـ«كبرى» أمام لبنان، فـ«حزب الله» يشكل عامل قلق كبير بالنسبة الى الولايات المتحدة، ولدينا ما يؤكد انّ واشنطن قررت الحرب على عدوها في لبنان، أي «حزب الله»، ولن تتركه يرتاح.
ولا يتوانى المسؤولون الاميركيون عن إبداء خشيتهم من سيطرة «الحزب» على لبنان بالكامل، وقد سمعنا من الاميركيين أنّهم بصدد اجراءات بالغة الشدة والقساوة ضد «الحزب» في مدى غير بعيد، وذلك عبر سلّة عقوبات صارمة، باتت في حكم المُنجزة، لقطع سبل إمداده التسليحي والتمويلي، والخطير فيها انها تأخذ الطابع الشامل بحيث تطال كل ما له علاقة بالحزب داخل لبنان وخارجه.
(ما يجدر ذكره هنا، انّ قوى سياسية حليفة للحزب، وقفت منذ مدة على معلومات تفيد بتوَجّه واشنطن الى فرض عقوبات تطال حتى حلفاء الحزب في لبنان).
- لا يستطيع الاوروبيون الجزم باستمرار الهدوء على جانبي الحدود بين لبنان واسرائيل، ولكن حتى الآن ما زال الاوروبيون يضعون العمل العسكري الاسرائيلي ضد لبنان في موقع الاحتمال الضعيف، لكنهم يعيرون اهتماماً جدياً بما يُطلقه المسؤولون الاسرائيليون من تهديدات بعمل ما.
وما يأمله الاوروبيون هو ان يكون ربيع لبنان معتدلا وطبيعيا وليس ربيعا حارا، وقد أوصلنا كلاما مباشرا الى الجانبين اللبناني والاسرائيلي بأنّ التوتر ليس في مصلحة اي طرف، خصوصا أنّ كلفته قد تكون باهظة ليس على طرف دون آخر.
امّا على المستوى السوري، فيلفت المسؤول الاوروبي الى انّ النظرة الاوروبية الى هذه الساحة لم تقع بعد على ما يبعث على القول إنّ الأزمة على وشك الانفراج، بل العكس، فالمسار السياسي معطّل وشديد التعقيد على هذه الجبهة، وهذا يعني انها مفتوحة على فترة طويلة جداً، تصل الى سنوات، من السجال السياسي والعسكري القاسي بين القوى الكبرى، التي تتحارب بشكل واضح على ما تسمّى «الحرب الباردة» بين الاميركيين والروس، والتي يخشى من ان تلفحها السخونة تبعاً للظروف التي قد تستجد.
فالاميركيون يريدون إخراج ايران من سوريا وهزيمة حلفائها، والروس في المقابل، وإن كانوا حالياً على علاقة مُهتزّة مع الايرانيين، وضعوا كل ثقلهم لعدم تسليف الاميركيين اي انتصار حتى ولو كان متواضعاً، اذ انه سيفسّر مهما كان حجمه هزيمة للروس قبل اي طرف آخر من ضمن المحور الذي تقوده في سوريا.
ويتوقف المسؤول الاوروبي المذكور مطوّلاً امام الملف الايراني، الذي وصفه بالمتشعّب والمتداخلة فيه مصالح الدول، ما يجعله بالغ الحساسية والتعقيد، ويكشف «انّ واشنطن جادّة هذه المرّة في ضغوطها على ايران، وتبلّغنا ذلك من الاميركيين أنفسهم أنه آن الأوان لإزاحة ما يعتبرونه «الشيطان الايراني»، والمسؤولون الاميركيون باتوا يتحدثون عن فترات زمنية قصيرة لسقوط النظام في ايران تحت ضغط العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة».
وفي معرض كلامه حول هذا الامر، قال ما حرفيّته: « إنّ الخيار العسكري الاميركي ضد ايران هو على طاولة الادارة الاميركية حالياً، لكن لا استطيع القول إنه خيار ناضج حتى الآن».
يخلص المسؤول الاوروبي الى القول: هذه التوجهات لا تعني انها قد تكون ناجعة او ناجحة، ومن السابق لأوانه الحديث عن آثارها وتداعياتها، لكن في الاجماع هي كعود ثقاب يشعل ناراً تحت مرجل ماء، غليانه محكوم باحتمالين: إمّا ان يصبّ فيحرق، وإمّا ان يتبخر، وساعتئذ كأنه لم يكن. وحتى الآن يبدو أنّ الاحتمالين متساويان. وفي اي حال دعونا ننتظر مؤتمر وارسو.
عندما يُسأل المسؤول الاوروبي عن هذا المؤتمر يقول: لا أستطيع ان أنفي الفتور الاوروبي تجاهه، كما لا أستطيع ان أتفاءل وارفع سقف التوقعات، وكذلك لا استطيع ان اتّفق مع وصف محمد جواد ظريف بأنه «سيرك وارسو».
ولكن ما هو واضح انّ واشنطن تريد إنجاحه، وديبلوماسيتها مستنفرة لهذه الغاية، علماً انّ الشرط الأول للنجاح هو تمكّن إدارة دونالد ترامب من احتواء تداعيات قراره حول سحب الجنود الأميركيين من شمال سوريا، على الحلفاء القلقين، وكذلك احتواء العاصفة الاعتراضية عليه في الداخل الاميركي. علينا أن نراقب. قبل فترة سألني وزير خارجية دولة اوروبية عن الاندفاعة الاميركية نحو فنزويلا؟
فقلت له: منذ مدة، التقيتُ مسؤولاً عربياً كبيراً، وسألني بشيء من الحذر: لماذا نقلَ ترامب حربه من الشرق الى الغرب؟ وهل فشل عندنا فذهب الى تحقيق إنجاز هناك؟ فقلت له: «الأفضل لي ولك أن ننتظر».