أكّد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، " أنّ الموارنة أمّةٌ متجانسةٌ وباقيةٌ حتى لو إنتشرت في القاراتُ أجمع وفرّقتها السياسةُ في أوقات شتى، لكنّ الإيمان الماروني والتمثل بسيرة أبينا القديس مارون وتعاليمه وقيَمه يُبقياننا صامدين بوجه كل أنواع المخاطر والحروب. ويسخر الراعي من كل مَن يقول إنّ لبنان سيبصبح أرضاً خالية من الموارنة، مشدّدا على "أن نحن حرّاس هذه الأرض، ولا تستطيع أيُّ قوة في العالم إقتلاعنا منها، وقد دفعنا أرواحنا فداها"، واضعاً رهانه على الذاكرة المارونية الجماعية وعلى الحرص على حفظ تاريخ الأمّة المارونية، مشدّدا على أنّ "الماروني ماروني سواءٌ كان في الجبال أم في الساحل أو في المهجر".
الراعي وفي حديث لصحيفة الجمهورية، أكّد أنّ تصرّفات الطبقة السياسية تدمّر البلاد، وهذا الأمر لا ينطلق من موقف شخصي من أحد، بل إنّ الأرقام الإقتصادية والتقارير تُظهره. مشيرا الى ان " لبنان لم يصل في تاريخه الى هذا المستوى من الفساد، هناك مسؤولون فاسدون يشرّعون الفساد، ويعطون الشعبَ الفتاتَ ليُغرقوه في لعبتهم ويسكتون عليه وينهشون هم الخيرات والمليارات" لافتا الى حجم الدين العام الذي يقترب من ملامسة عتبة المئة مليار دولار أميركي، ولا أحدَ يحرّك ساكناً وكأنّ الهدفَ تفليس الدولة وإنهاء الكيان.
وشدّد الراعي على أنّ "المطلوب ثورة شعبية وثورة ضد الفساد والفاسدين وإلّا سيسقط الهيكل فوق رؤوس الجميع، فبكركي لا يمكنها أن تسكت لأنها بطريركية تدافع عن حقوق الشعب، وهنا أشدد كل الشعب، لأنّ الفقر يطال المسلم والمسيحي على حدٍّ سواء، والإنهيار لا يرحم أحداً، ومن واجبنا أن نرفع الصوت عالياً." ونبّه من التفريط بالأموال الموعودة في مؤتمر "سيدر"، مشيرا الى ان احدى اوجه التفريط هذا هي التأخير 9 أشهر عن تأليف حكومة بسبب خلافهم على الحصص والمغانم وكأنّ لبنان ملك أبيهم وورثوه ليدمّروه وهذا الأمر لن نقبل به بتاتاً." ورحّب الراعي بالولادة الحكومية الصعبة، داعياً الى تعويض كل الوقت الذي ضاع منذ تسعة اشهر من دون أيِّ مبرِّرٍ منطقي." مشيرا الى "أنّ أمام الحكومة تحدّياتٍ كبرى أبرزها معالجة الوضع الإقتصادي والإجتماعي والمباشرة بالإصلاحات وتنفيذ مندرجات مؤتمر "سيدر" مطالبا بحزم "الوزراء بأن يكونوا أمناءَ على المال العام ويوقفوا مسلسل الهدر والفساد في وزاراتهم، لأنّ الإهتراءَ يأكل الدولة ومؤسساتها" وطالب " الحكومة الجديدة بأن تكون فريق عمل متجانساً لا أن تتحوّل الى متاريس وجبهات متقاتلة، فالتجارب السابقة لا تشجّع"، متمنّياً ترك الملفات الخلافية جانباً والمباشرة بالعمل لحلّ مشكلات الناس.
ورأى الرااعي من جهة اخرى أنّ "الوقت الآن ليس وقتَ تغييرِ نظام، فالأولوية للإنقاذ، ومَن يفكّر بهذا الأمر يفكّر بنفسه ويريد تحقيقَ مكاسب مستفيداً من فائض القوة الذي يملكه"، مشيرا الى "ان نسمع في الخفاء عن طروحاتٍ جديدة مثل المثالثة، وهذا الأمر مرفوص جملةً وتفصيلاً، ومَن يفكر فيه يريد إلغاءَ لبنان القائم بجناحيه المسلم والمسيحي، فالمسيحي هو شريكٌ في الوطن والمدافعُ الأول عنه، وإذا تناقص ديموغرافياً فذلك لا يعني الإنقضاض عليه، لذلك سنتصدّى للمثالثة او أيِّ طرحٍ آخر مشبوه من أيِّ جهةٍ أتى" مشددا على أنّ "المطلوب تطبيق الدستور وإتفاق الطائف بنصّه وروحه، فيجدوا عندها المخارج لأزماتنا السياسية".
ودعا الراعي الجميع "الى العودة الى مشروع الدولة لأنها تحمي الجميع من دون إستثناء، فلا مستقبلَ للدويلات في بلد مثل لبنان، ومَن يفكّر بانشاء دويلته الخاصة سيرتدّ هذا الأمر عليه سلباً، لذا المطلوب هو جلوس الجميع مع بعضهم والمصارحة، فكلّ القوى السياسية والطائفية كانت لها تجارب خاصة لكنها لم تصل الى أيّ مكان." وطالب "بالعمل فوراً لإنقاذ هيكل الدولة، فلدينا مؤسسات ما تزال تعمل رغم كل الفوضى والفساد، لذلك علينا أن نؤمِنَ بها وندعمها، فالجيش والقوى الأمنية إستطاعا أن يهزما "داعش" وأخواتها والشبكات الإرهابية، وبالتالي فهما وحدهما مؤتمنان على الدفاع عنّا ولحصر السلاح بأيديهما، لأنّ اللبناني على إختلاف أيّاً كان انتماؤه يدعم الشرعية."
ووصف الراعي "زيارةُ البابا فرنسيس الى الإمارات بالتاريخية"، مؤكدا "أنّ ما أظهرته تلك الزيارة يشكّل خيرَ دليل على أنّ الأديان السماوية تستطيع العيش معاً بسلام دون إرهاب وتطرف." مثنيا على "كل ما فعلته القيادة الإماراتية قبل وخلال زيارة البابا، فهذه الزيارة وجّهت رسالةً كبرى للبشرية بأنّ الدين هو للسلام وليس للحروب ويجب السير وفق تعاليم الله لا تحويرها". ولفت الى إعلان الأخوّة الإنسانية الذي وُقّع بين قداسة البابا وشيخ الأزهر حيث يجب أن نحمله الى بلداننا وبيوتنا ومجتمعاتنا." مضيفا ان "الإمارات قدّمت شهادةً للعالم كله بأننا اخوة في العالم والديانات هي مصدر الأخوّة والتلاقي، والحروب لا تأتي من الدين وإنما ممَّن يستغلّون الدين من أجل حروبهم، ويطالب المسلمين والمسيحيين في الشرق أن يحافظوا على الرسالة العظيمة الموكلة اليهم من الله وأن يعيشوا معاً، ويبنوا حضارة وثقافة معاً، ًوأن يُظهر المسيحي وجهَ الإسلام الحقيقي في العالم المسيحي وبدوره يُظهر المسلم الوجهَ المسيحي الحقيقي في العالم الإسلامي"
وفي الختام دعا الراعي "الشعب المسيحي الى الأمل بالغد وعدم الخوف، لأنّ ما مرّ علينا أصعب بكثير من وقتنا هذا، لكننا صمدنا وبقينا، وطالما أنّ هذه الجبال موجودة فالمارونيُّ باقٍ، ولبنانُ باقٍ أيضاً. "