بعد ساعات على تأليف الحكومة أطلّ باسيل من منبر «التيار الوطني الحر» من سن الفيل مُستعرضاً من يمينه وشماله كتلته الوزارية الإحدى عشرية، مقدّماً جردة شكّلت خليطاً سياسياً وادراياً ووزارياً وحزبياً.
وتحدث بالتفصيل المملّ عن الظروف التي أدت الى تأليف الحكومة مقدّماً جردة بما حققه وبما فشل في تحقيقه، وما أراده من الجهود التي بذلها قبل أن يوزّع المهمات والبرامج على وزرائه، وكذلك قبل ان يكشف عن كتب الإستقالة التي وقّعها مسبقاً الوزراء، بمَن فيهم وزيره الحادي عشر، قبل تسلمهم مهماتهم ووضعها في تصرف رئيس الجمهورية وقيادة «التيار الوطني الحر»، في إجراء داخلي لم يسبقه اليه أحد.
تزامناً، بَدا واضحاً انّ باسيل كان طبيعياً عندما تحدث لمدة ساعة تقريباً من دون تكليف او حرج، مُستبقاً مهمات غيره ولاسيما منها ما تقول به صلاحيات رئيس الحكومة، وقبل البَتّ بالبيان الوزراي الذي يشكّل اولى الخطوات الدستورية الإلزامية التي على ايّ حكومة اتخاذها تحديداً لعناوين برنامجها السياسي والإداري والإقتصادي والمالي والإجتماعي والسيادي.
ولم يكن مفاجئًا التعليق الذي قدّمه رئيس «الحزب التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط لكثير من السياسيين «المتحسّسين» من الدور الذي لعبه باسيل في عملية التأليف، بمعزل عن موضوع تكليفه من رئيس الجمهورية بهذه المهمة بصفته الدستورية التي تعطيه حق المشاركة في تأليف الحكومة بالتعاون مع الرئيس المكلف.
ولذلك ظهر جنبلاط متحدثاً باسم كثير من اللبنانيين الذين رأوا في شكل مؤتمر باسيل الصحافي ومضمونه ما استفاد منه جنبلاط من الثغرات السياسية والدستورية التي جاءته على طبق من ذهب، ليعبّر عن ردة فعله بقسوة مُسبغاً عليها كل الصفات والدوافع الدستورية تَوصّلاً الى السؤال عن مصير «إتفاق الطائف» طارحاً الموضوع امام اللبنانيين.
ولا يخفى على احد انّ هذا الموقف جاء تغليفاً لِما يريد ان يتحدث عنه جنبلاط في قضايا أخرى، بدءاً بالتحقيقات التي ينتظرها ضباط قوى الأمن الداخلي الذين وضعوا في تصرّف المدير العام لقوى الأمن الداخلي، ومن بينهم احد الضبّاط الذين يعترض على التحقيق معه في تجاوزات مالية وإدارية متهم بارتكابها.
كذلك بالنسبة الى مصير الشيخ المعتدي على قناة «الجديد»، والذي لاذ بعباءته الحزبية والمذهبية منعاً لتسليمه الى القوى الأمنية بعدما رمى القنبلة على مبنى القناة في محلة «وطى المصيطبة» في بيروت.
وقبل ان تطوى هذه المحطة وتردداتها وما تسببت به من تبادل مواقف وانتقادات لاذعة بين وزراء «الحزب التقدمي الإشتراكي» من جهة ووزراء «التيار الوطني الحر» ومن حصة رئيس الجمهورية من جهة أخرى على وَقع الجدال الذي دار بين الحريري وجنبلاط، جاءت المواقف التي أطلقها باسيل من باريس لتزيد في الطين بلة. فقد أسهَب في اطلاق المواقف من الملفات السورية المتشعّبة خلال مشاركته في اجتماعات وزراء الخارجية الأوروبيين والعرب، تحضيراً للمؤتمر الأورو - متوسطي المقرر في شرم الشيخ في 23 و 24 شباط الجاري.
ولقد استبق باسيل البيان الوزاري وما يمكن ان يتضمنه عن هذه الملفات بما قاله بصفته وزيرا للخارجية عن شكل العلاقات بين لبنان وسوريا ومضمونها، وطريقة اعادة النازحين السوريين الى بلادهم كما يريدها من موقعه الحزبي وليس من موقعه في قلب الحكومة المنقسمة على نفسها حول هذا العنوان، وكذلك بالنسبة الى استعادة سوريا موقعها في جامعة الدول العربية.
ولذلك بات الجدل المفتوح معطوفاً على الإنتقادات التي تعرض لها باسيل على هذا الصعيد طبيعياً ومنطقياً، وصولاً الى السؤال عن الصفة التي يتحدث بها باسيل. فقد كان واضحا انه خلط بين موقعيه بطريقة اعادة العلاقات بين البلدين بمعزل عن قرار بقية الدول العربية المعنية بهذا القرار الكبير، وخارج إطار القرار الحكومي الذي كان يناقش بحدة على طاولة اللجنة الوزارية المكلفة وضع البيان الوزراي في السراي.
وبمعزل عن كثير من التفاصيل فإنّ القضايا التي أثارها باسيل شكلت، في رأي بعض السياسيين والمعنيين بالشؤون الدستورية، خرقاً لكل النصوص الدستورية لأنه استبق مضمون البيان الوزاري الذي ربما لن يتغير لكنه لا يتآلف وموقفه.
إلّا ان باسيل، وعند الحديث عن السبب، لا يرى انه قد خرق اياً من الخطوط الحمر التي لم يحتسبها يوماً نتيجة الشعور المفرط بالقوة المُستمدة من موقعه المتعدد الصفات والمميزات، علماً انه لن يطول الوقت لوَضع البيان الوزراي للحكومة الجديدة على الرف، كما في كل التجارب السابقة.