وفَّى الرئيس سعد الحريري بتعهداته، وانجزت اللجنة الوزارية الممثلة لكل مكونات الحكومة البيان الوزاري وسيعقد مجلس الوزراء أوّل جلسة عادية اليوم، لإقراره بالصيغة النهائية والذهاب به إلى المجلس النيابي لإقراره ومنح الحكومة الجديدة الثقة.
وقد لاقى رئيس مجلس النواب نبيه برّي رئيس الحكومة في منتصف الطريق ووعد كما نقل عنه نواب لقاء الأربعاء بدعوة الهيئة العامة للمجلس لعقد جلسات يومي الثلاثاء والاربعاء من الأسبوع المقبل لمنح الثقة لـ«حكومة العمل» كما أسمتها لجنة البيان الوزاري على أساس ما تضمنه البيان في شقِّيه الاصلاحي والسياسي.
ومن باب أولى القول أن الحكومة الجديدة وبالسرعة الموصوفة التي أنجزت فيها البيان الوزاري، بالرغم من تناقضاتها العميقة، تركت أجواء ارتياح عند اللبنانيين، وإن كانوا ما زالوا ينتظرون الأعمال وما إذا كانت تعكس حقيقة ما التزمت به الحكومة أو ألزمت نفسها به بالانتقال فوراً وبعد الحصول على ثقة المجلس النيابي لتنفيذ كل ما التزمت به في بيانها الوزاري حتى لا يبقى البيان حبراً على ورق. كما اعتاد عليه اللبنانيون من الحكومات السابقة التي شكلت على أساس التوافق الذي يلغي دور المعارضة، وتكون الحكومات تلك مجلساً نيابياً مصغراً.
ومما لا شك فيه، فإن نجاح الحكومة في الاتفاق على البيان الوزاري بأقل من مرور أسبوع على تشكيلها، بشقِّيه الاصلاحي والسياسي الذي كان الكثيرون يخشون من أن يؤدي هذا الشق إلى تفجير الحكومة من الداخل أو على الأقل إبقاء المراوحة داخل اللجنة الوزارية مُـدّة تقارب المدة التي مرّت قبل الوصول إلى الاتفاق بسحر ساحر على التشكيلة الوزارية وعلى توزيع الحصص بين الأحزاب والقوى المشاركة فيها، فمما لا شك فيه أن ما حصل ترك بقعة ضوء واسعة تريح المواطن الذي وصل إلى حالة الاحباط الكامل من ممارسات الطبقة السياسية التي اوصلت البلاد إلى حافة الانهيار الكامل، وتجعله يأمل في المستقبل ان تتسع هذه البقعة بما يُمكِّن هذا البلد من استعادة عافيته والعودة إلى لعب دوره الطبيعي في المنطقة وعلى مستوى العالم وذلك من دون ان يتخلّى عن تحفظاته وشكوكه في قدرة الحكومة، كما الحكومات التي سبقتها وفشلت تماماً في تحقيق الحد الأدنى مما وعدت به لا سيما على صعيد الإصلاحات البنيوية للنظام وفي مقدمها الإصلاحات الاقتصادية والمؤسساتية وأيضاً اجتثاث الفساد في كل دوائر الدولة ومؤسساتها وصولاً إلى وقف هدر المال العام من دون وضع أي اعتبار لحساب أحد في ظل غياب المجلس النيابي كسلطة مراقبة ومحاسبة ومساءلة، طالما ان تلك الحكومات تمثل بتكوينها الشامل مجلساً نيابياً مصغراً لا مكان فيه لأي دور يُمكن للسلطة الاشتراعية ان تضطلع به وفق ما تقتضيه الأنظمة الديمقراطية البرلمانية، وهذا وحده كافٍ لإلقاء الكثير من الظلال السوداء على بقعة الضوء التي احدثها الإسراع في إنجاز البيان، لا سيما في ما يتعلق بالشق الاصلاحي الذي أخذ حيِّزاً واسعاً من البيان الوزاري وفق ما سرَّبه عدد من أعضاء اللجنة وتحديداً استعداد الحكومة للتصدي للفساد المستشري في كل دوائر الدولة ووضع حدّ سريع له قبل أن يتغلب هو على الجميع ويحول الدولة اللبنانية إلى دولة فاشلة، الا أن بعض المصادر المتابعة كما اورد البيان الوزاري في هذا الخصوص، لا تشارك المتفائلين في نجاح هذه الحكومة في القضاء على هذه الآفة ويميلون إلى ترجيح كفة فشلها في تحقيق أية خطوة نوعية على هذا الصعيد وذلك من منطلق ان الحكومة لم تحدد في بيانها الوزاري الخطوات العملية التي قررت اعتمادها لاجتثاث آفة الفساد في الوقت الذي يعرف جميع أعضائها وجميع المسؤولين عن توزيرهم في الحكومة بأن هناك قوانين وضعت منذ الخمسينات لاجتثاث آفة الفساد في حال وضعت موضع التنفيذ ومنها قانون الإثراء غير المشروع وقانون من أين لك هذا، واللذان لم يوضعا بعد موضع التنفيذ رغم اعتراف الطبقة السياسية القديمة والجديدة بأنهما كافيان لاجتثاث الفساد المستشري في الإدارة، ووضع حدّ نهائي لجميع الفاسدين، وأن تجاهل الحكومة العتيدة لهذين القانونين يثير الشكوك حول جديتها في محاربة الفساد واستئصاله من كل المؤسسات الرسمية، وكان من المفترض في وزراء الحكومة ان يبدأوا بأنفسهم فور تسلمهم مهامهم فيها، وذلك بتقديم تصريح بأموالهم المنقولة وغير المنقول إلى المجلس الدستوري وحتى الساعة لم نسمع أي وزير تقدّم بمثل هذا التصريح الأمر الذي يثير شكوك المواطن حول مدى صحة تصميم الحكومة الجديدة على التصدّي لآفة الفساد والتي حولت لبنان إلى مثال تتندر به معظم الدول العريقة في ديمقراطيتها، فضلا عن المفاجأة الأخرى التي باتت حديث الشارع وهي إلغاء وزارة الفساد التي كانت موجودة في الحكومة السابقة، والتي أنيط بها وضع كل الإجراءات القانونية للأزمة لاجتثاث هذه الآفة ورفع عبارة الدولة الفاشلة عن الدولة اللبنانية.