نشر موقع "ناشونال إنترست" مقالا للباحثة في مؤسسة الجزيرة العربية جنيف عبده، تحت عنوان "معركة إيران لخلافة خامنئي قد بدأت".
وتشير الباحثة في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن مسألة من سيخلف المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي طفت على السطح في الوقت الذي تحضر فيه إيران لإحياء الذكرى الأربعين على الثورة الإسلامية عام 1979، لافتة إلى أن إيران ستحكم بعد المرشد الحالي برمز ديني مثله، لكنه أقل قوة، وأكثر ارتباطا بالحرس الثوري.
وتقول عبده إن "محمود هاشمي شاهرودي كان حتى وفاته في كانون الأول/ ديسمبر 2018 يعد المرشح الرئيسي لخلافة خامنئي، وكان من الموالين للمرشد الحالي، ووصل إلى أعلى مراتب السلطة السياسية في الجمهورية الإسلامية، وكان يعد الخليفة المؤكد له، وعمل الشاهرودي رئيسا للهيئة القضائية، وكان مثل راعيه، من أشد المتحمسين للثورة الإسلامية ومبدأ قيامها، وهو فكرة (ولاية الفقيه)".
وتلفت الكاتبة إلى أنه "كانت لدى الشاهرودي قدرة على التحدث باللغة العربية الفصحى، وعالم بالدراسات العقدية الإسلامية، ويعرف كتابات الإسلاميين المعروفين، مثل سيد قطب، ونظر خامنئي للشاهرودي على أنه خليفة محتمل للمرجعية الشيعية في العراق محمد علي السيستاني، رغم رفض المؤسسة الدينية العراقية وبشكل قوي لفكرة خلافة رجل دين يؤمن وبقوة بولاية الفقيه للسيستاني، الذي يتبعه الكثير من الشيعة في العالم العربي، ولو تولى الشاهرودي أيا من هذه المنصبين في العراق أو إيران لضمن خامنئي استمرار قيمه الثورية".
وتجد عبده أنه "مع رحيل الشاهرودي فإنه لا يبدو أن هناك خليفة جاهز يفضله خامنئي، بل هناك مجموعة من الاحتمالات، منها رئيس الهيئئة القضائية صادق لاريجاني، المولود في العراق مثل الشاهرودي، وهناك المرشح الرئاسي السابق ورئيس مزار الإمام الرضا إبراهيم رئيسي، وهو طالب وموال لخامنئي، فيما ينظر للاريجاني على أنه متشدد لكنه مستقل".
وتعلق الباحثة قائلة: "من هنا فإن أي خليفة يجب أن يكون محترسا بشأن احتواء الاضطرابات في الوقت الذي يجب عليه حماية البلاد من التهديدات الخارجية، وبحسب الكثيرين، خاصة الحرس الثوري، فإن هناك مخاطر من أن تتعرض إيران لهجوم العدو الخارجي، وهناك تقارير مستمرة حول الدور الذي يمكن للحرس الثوري القيام به بعد وفاة خامنئي، وإمكانية سيطرته على القرار في البلاد".
وترى عبده أن "هذا السيناريو غير محتمل، وليس من مصلحة الحرس حكم الدولة؛ لأنه خرق للدستور، ومن الأفضل أن يكون لديه مرشد أعلى للجمهورية يدعم أيديولوجية الحرس ومبادراته العسكرية، ويحمي القادة ومصالحهم الاستثمارية الواسعة وشركاتهم التجارية، وتقدر الحكومة الأمريكية أن الحرس الثوري يسيطر على نسبة 20% من الاقتصاد الإيراني".
وتعتقد الكاتبة أن "النقاشات حول من سيخلف المرشد تفتح الباب للحديث عن الطريقة التي ستحكم فيها إيران، فخامنئي في التاسعة والسبعين من عمره، ويقترب من نهاية مسيرته السياسية، وحاول طوال فترة حكمه التأكد من عدم وجود أي من الفصائل في الدولة، معتدلة أم متشددة، قادرة على تحدي سلطته، وتبنى في هذه الحالة استراتيجية (فرق تسد)، حيث جعل الفصائل في حالة تنافس من أجل إضعافها".
وتقول عبده إنه "نظرا لأن خامنئي استطاع وعلى مدى 30 عاما تحويل وتغيير دور المرشد، باعتباره صاحب السلطة العليا المتجاوز لسلطة الرئيس ووزير الخارجية وحتى القادة العسكريين، فإن مسألة خلافته ستؤدي إلى أزمة سياسية أيا كان الشخص الذي يخلفه، خاصة أنه لا يوجد رجل يحمل السلطات والتأثير الذي كان يملكه".
وتنوه الباحثة إلى أن "من السيناريوهات المحتملة ظهور قيادي من داخل دوائر المعتدلين في قم، فقد اعتقد رجال الدين أن خامنئي يجب أن يكون آخر مرشد أعلى، فهناك رجل الدين غير التقليدي محسن كاديفار، الذي فر من إيران في التسعينيات، وكتب كثيرا عن حكم رجال الدين منذ وفاة آية الله الخميني، فقال: (هناك اعتقاد قديم وسري) بين غالبية مدرسي الدين في إيران، وهو أن حكم رجال الدين عادة ما يقود للاستبداد، ويجب إلغاؤه، ويعتقد هؤلاء المدرسون أنه يجب انتخاب القادة الدينيين بدلا من تعيينهم".
وتتساءل عبده عن الخيارات الأخرى المطروحة لحكم البلاد، مشيرة إلى أن من بينها مجلس مكون من قادة الدين والمدنيين يقومون بقيادة الدولة، و"هذا يطرح أسئلة حول الصلاحيات المتوفرة للمجلس، وقدرته على الحد من تأثير الحرس الثوري على الدولة، وكان آية الله هاشمي رفسنجاني قد طرح الفكرة ودعا إليها من فترة لأخرى، إلا أنها لم تحظ بدعم وسط المتشددين، خاصة داخل المؤسسة الحاكمة".
وتفيد الكاتبة بأن الأحداث في الشرق الأوسط أظهرت أن الحرس الثوري استطاع توسيع تأثيره في لبنان، وحاول الإطاحة بالنظام الحاكم في البحرين، من خلال تدريب المقاتلين الشيعة، وقاد الحملات للدفاع عن نظام بشار الأسد والحفاظ عليه في السلطة، وفي داخل إيران تحول الحرس لحام وحارس للدولة ضد أي تهديد.
وتتذكر عبده عندما كانت مراسلة صحافية في طهران عام 1999، وكيف حاول الحرس الثوري الإطاحة بالرئيس محمد خاتمي، الذي رأوا أنه فشل في التعامل مع المتظاهرين الذين خرجوا للشوارع احتجاجا على تقييد حرية التعبير، وفي الوقت ذاته ظهر تسجيل عن مؤامرة انقلابية للحرس ضد خاتمي، مشيرة إلى أنه لم يتم تنفيذ الانقلاب لأسباب مجهولة، ولم يعرف إن كان خاتمي مع المؤامرة، لكنه خاف من توسع درجة العصيان العام، وتحول التظاهرات لحركة وطنية ضده.
وتقول الباحثة إن "المعسكر المعتدل يريد أن يكون له دور في تشكيل البلاد في مرحلة ما بعد خامنئي، فحسن روحاني يعد معتدلا وإن كان ثوريا، وله علاقة شائكة مع الحرس الثوري، واختياراته لخلافة المرشد قد يتنافسون مع من يختارهم الحرس الثوري، مع أن أي مرشح يحتاج لدعم من الحرس الثوري".
وتذهب عبده إلى أن "وفاة خامنئي ستكون من اللحظات الحاسمة في تاريخ الجمهورية منذ وفاة الخميني عام 1989، وسيتردد صدى وفاته في الحلقات الدينية العراقية في النجف، التي يدعم فيها ماليا بعض المراجع الذين يدعمون حكم الفقيه الشيعي".
وتختم الكاتبة بالقول إن "الوضع السياسي في إيران لن يتغير بعد وفاة المرشد الحالي في المستقبل المنظور أيا كان خليفته".