قبل الكلام عن الموقف الفعلي للرئيس السوري بشار الأسد من عودة مواطنيه النازحين الى لبنان وغيره لا بد من الاشارة، يقول المتابعون الجديون أنفسهم لحركتي نظامه السياسية والأمنية، الى أنه بدأ يستشعر القوة بعد مرحلة الضعف والاستضعاف التي مرّ بها، ولا سيما بعدما نجح بمساعدة إيران و”حزب الله” وروسيا في ربح معارك عدة أدت الى استعادته “سوريا المفيدة”، وإن لم يتمكن حتى الآن من إنهاء الحرب لمصلحته. فالتنظيمات الاسلامية المتطرفة حتى الإرهاب خسرت حربها. والباقية منها في مناطق محددة أهمها ادلب فقدت المبادرة وحرية التصرف وهي تنتظر إما حرباً سورية حاسمة عليها، وإما حرباً تركية بموافقة من بعض الحلفاء (روسيا) وغير الحلفاء (أميركا). فضلاً عن أن تشدّد أنقرة مع أكراد سوريا وتذبذب موقف واشنطن منهم دفعهم الى الانفتاح على دمشق وموسكو والى طلب حماية الاثنتين من أي هجوم تركي كبير عليهم. زاد ذلك من شعور الأسد بالقوة فلم يفتح باب “التوبة” المقبولة منهم، وهي الحصول على الحكم الذاتي في إطار لامركزية عامة تكون جزءاً من التسوية السياسية التي تنهي الحرب. يضاف الى ذلك تأكد الأسد أن المعارضة السياسية السورية، التي انتفضت عام 2011 ضده والتي تحولت ثورة صادرتها التنظيمات الارهابية لاحقاً، صارت معارضات بعدما انقسم المعسكر العربي – الاقليمي لأسباب مصلحية، وفقدت دورها ووزنها وقرارها المستقل. علماً أنها لم تتمتع به كاملاً يوماً ولم تمارسه. ولا بد من الاشارة أيضاً، يضيف المتابعون أنفسهم، الى أمر آخر يدفع الأسد المستقوي بعد ضعف الى التريّث هو أن بعض الدول العربية التي عادته وحاربته مباشرة ومداورة بالسياسة والمال، هي التي تحتاج اليه أكثر من حاجته إليها رغم عجزه عن إعادة إعمار ما تهدم بسبب غياب الموارد المالية العامة لديه ووفرتها لديها. وهذا أمر تحدث عنه تفصيلاً الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في “حوار العام” الذي أجرته معه فضائية “الميادين”. فهي تخشى أن تخرج تركيا وإيران منتصرتين من حرب سوريا وحروب المنطقة. علماً أن ذلك لن يتم بالحرب بل بالتفاهم على الأرجح بين موسكو وواشنطن وطهران وأنقرة. وانتصارهما يعني انتصار “الاخوان المسلمين” الذين تعتبرهم الدول الساعية الى العودة الى دمشق الخطر الأول عليها. وفي هذا المجال لا بد من الاشارة ثالثاً الى أن الرئيس السوري يعرف دوافع الرغبة العربية في العودة الى بلاده، ويعرف أيضاً أن حكامها يتذكرون والده الرئيس الراحل حافظ، ويتمنون أن يعود هو الى “سياسته الحكيمة” في رأيهم أي الإبقاء على التحالفات مع ايران ومساعدتهم على حل مشكلاتهم معها ومع روسيا، مع استمرار الانفتاح والتعاون مع أميركا، فضلاً عن عدم الاسهام في دفع الأمور بين بلاده واسرائيل الى الحرب. لكن السؤال الذي يطرحونه هنا هو: هل يمتلك الأسد مواصفات والده وهل يمكنه تكرار سياسته التي بواسطتها ما كان وصل وأوصل معه سوريا والمنطقة الى الحال التعيسة الراهنة؟ كما أنهم يطرحون سؤالاً آخر هو: هل يمتلك الأسد الحرية الكاملة في التصرف والقرار في ظل استمرار حاجته الى إيران وروسيا و”حزب الله” وغيره، وفي ظل التباين الذي لا يمكن انكاره بين هاتين الدولتين والاختلاف في المصالح مع كل منهما؟ أما السؤال الثالث الذي يطرحون فهو: هل يغامر الرئيس الأسد في الموضوعات المشار اليها كلها؟ طبعاً لا أجوبة راهناً عن هذه الاسئلة وعن أخرى كثيرة غيرها. لكن ما تجب الاشارة اليه هو أنه يعرف كل ذلك ويرغب طبعاً في العودة الى العرب وجامعة دولهم، ويعرف في الوقت نفسه أن الوقت ربما لم يحن بعد. ولن يتخذ قراراً في هذا الشأن الا عندما يشعر أن وقته حان وأن أخطاره ومضاعفاته السلبية لم تعد موجودة بغالبيتها. ماذا عن موقف الأسد من عودة مواطنيه النازحين الى سوريا؟
تفيد المعلومات المتوافرة عند المتابعين أنفسهم أن نظرته الى هذا الموضوع تختلف عن نظر أجهزته المتنوعة. فهو لا يمانع من حيث المبدأ بعودة النازحين خلافاً لرأيها لأنه يعتقد أن التسوية السياسية التي ستنهي حرب بلاده، وتسمح باعمارها بعد الدمار الذي حلّ بها، لم تعد بعيدة. الى ذلك فإنه يعتقد أيضاً، وربما يجزم، أن انتخابات رئاسية ستُجرى في سوريا بعد التسوية، وهو يريد أن يترشح لها وأن يفوز فيها. فضلاً عن أنه لا يشك على الاطلاق في أن الذين صمدوا في سوريا ولم يغادروها لاعتبارات متنوعة ستصوّت غالبية مهمة منهم له. كما أنه يعرف أن النازحين العائدين الى بلادهم بالملايين، حتى وإن لم يعودوا كلهم، سيصوتون له في الانتخابات نفسها بنسبة تراوح بين 50 و60 في المئة. ولن يحصل ذلك بضغط منه ومن أجهزته لأنه يعرف أن الانتخابات ستكون “ديموقراطية” في صورة عامة وسيشرف عليها مراقبون دوليون، بل سيحصل لأسباب متنوعة أبرزها إثنان، الأول أن العائدين يعرفون عواقب التصويت بـ”لا” له بعد انتهاء الانتخابات ومغادرة المراقبين و”إقلاع” التسوية السياسية ومبادرة الجميع الى “قوموا لنهنّي”. أما الثاني فهو أن نازحين كثيرين تعبوا من الحرب والدمار واللجوء رغم “منافعه” المادية على محدوديتها. وهذا ما شعر به اللبنانيون بعد انتهاء حربهم عام 1990 رغم “محبة” الكثيرين منهم للأسد الراحل ونظامه. وهذان العاملان يمكن أن يحولا دون أن تطغى الـ”لا” عند النازحين في العالم العربي والعالم الأوسع على النتائج النهائية.
طبعاً ورغم ذلك كله يبدو أن قرار العودة لم يحن أوان اتخاذه. علماً أن الذين عادوا حتى الآن “دخلوا السيستيم” الذي بقيت اداراته المدنية عاملة.