إذا صح ان الرئيس ميشال عون يدعو الذين يقولون له “مبروك تشكيل الحكومة” الى القول “الحمد لله على السلامة”، فإن ذلك يبدو مغايراً للإشتباك السياسي الذي شهدته الساعات الاخيرة بين بيت الوسط والمختارة، ما يعني أنه من المبكّر القول الحمد لله على السلامة!
لن أدخل في خلفيات التراشق بالتغريدات السياسية الساخنة، التي تحجب ملفات داهمة ومستعجلة وملتهبة تنتظر الحكومة الجديدة، التي لا تملك من الوقت ما يمكن ان يساعدها على قراءة ملفات الأزمات الكارثية، ولهذا يبدو الحديث عن فترة المئة يوم لكي نبدأ برؤية الأعاجيب، مجرد كلام عابر للإستهلاك لثلاثة أسباب :
أولاً – معظم الوزراء القدامى والجدد لا يملكون أي فكرة عن المشاكل والملفات التي تنتظرهم في غابة الفوضى والضياع التي تهيمن على الإدارات، التي يفترض ان يجدوا لها الحلول، وخصوصاً عندما يتبارون في الحديث عن محاربة الفساد، وهو الوحش الكامن في ثقافة معظم اللبنانيين سياسيين وشعباً عظيماً، ولن تكفي ثلاثة أشهر للتعرف الى الكرسي والسكرتيرة وتقبل التهاني، فكيف بركام الملفات التي أكلها دهر من الإهمال والنسيان ؟
ثانياً – على إمتداد تسعة أشهر من القتال على الحصص والأوزان والحقائب، لم يتكرّم حزب من الأحزاب، التي تصارعت على الحصص والمقاعد بأنواعها، أو واحد من هؤلاء الأكارم الذين هم من الثوابت او الذين فازوا بالمعالي على طريقة اللوتو، بتقديم برنامج او خطة أو رؤية لمشكلة في وزارة أو إدارة إفترض أنه سيكون مسؤولاً عنها، ولكن ها هم يطلقون الوعود ثلاثة أشهر وتنهال الأعاجيب على البلد التاعس!
ثالثاً – لقد ألغوا وزارة محاربة الفساد، ربما من قبيل الإقرار ضمناً بالهزيمة الشنيعة في تجربة الحكومة السابقة في هذا المجال، وها هم اليوم أشبه بجوقة واحدة تتحدث عن محاربة الفساد، وأن كل وزير سيقوم بمحاربة الفساد في وزارته، وهذه هرطقة بلا معنى لأن الفساد صار ثقافة عامة في الدولة ومؤسساتها، بعدما باتت سيكولوجيا الإنتماء عند الموظف ومعظم المسؤولين بمن فيهم عدد من الوزراء، ترتبط بالطائفة والمذهب لا بالوطن والهوية، ولهذا سيبقى الحديث عن محاربة الفساد مجرد كلام إستهلاكي، وسيبقى الإحساس العام تقريباً ان لبنان سفينة غارقة والشاطر من يعبىء جيوبه قبل ان يقفز الى الماء!
كان اللبنانيون المساكين ينتظرون ورشة عمل لا حلبة ملاكمة تتحول فوراً ساحة مصارعة، لكن يبدو ان ما ينتظرنا أسوأ، بعدما شاهدنا المعركة على تفتيش “الحقيبة العليا” في المطار، على رغم أن المطار بات مشبوهاً أمام العالم وهذه فضيحة مدوية، وها هي قصة نهر النفايات عائدة سريعاً في نيسان لتكون فضيحة أدهى، وقصة الغرق في الظلام بعد أسابيع ما لم ندفع المليارات ثمناً للفيول من خزينة، يقول الوزير علي حسن خليل “ما فيها ولا ليرة” وهذه أم الفضائح، أما جيوش العاطلين عن العمل فكارثة، وأما افلاس المعامل وإقفال المحلات فمصيبة، ولا من يملك خطة أو برنامجاً لكنهم يعدوننا بالجنة!
سامحوني، هل كثير إذا قلت إن البلد الذي يلقي أبناءه المعاقين في الشارع هو بلد معاق؟!