في القانون، يجب أن تتألف إدارة المجلس من 12 عضواً على الأكثر يعيَّنون بمرسوم في مجلس الوزراء، ويسمّى في هذا المرسوم رئيسٌ (سنّي عادةً) ونائبان للرئيس (شيعي ومسيحي) وأمين عام (مسيحي). وهؤلاء الـ4 هم الذين يؤلفون مكتب المجلس، يكونون متفرغين وولايتهم 5 سنوات. أمّا الآخرون فهم غير متفرغين وولايتهم 3 سنوات. وإلى جانب هؤلاء مفوض للحكومة لدى المجلس (درزي).
• الـ5 الباقون، من أصل 9، يتوزّعون كالآتي:
1 - العضو السنّي، رئيس المجلس، نبيل الجسر، شقيق النائب سمير الجسر، محسوب على تيار «المستقبل».
2 - العضو الشيعي، أحد نائبَي رئيس مجلس الإدارة، ياسر بري، وهو شقيق رئيس المجلس النيابي، محسوب على حركة «أمل».
3 - العضو المسيحي، الأمين العام للمجلس، غازي حداد، غير محسوب على فئة حزبية.
4 - العضو السنّي يحيى السنكري، وهو أيضاً غير محسوب على فئة حزبية، ويزاول أعمالاً في السعودية، ويحضر إلى لبنان خصّيصاً عند كل اجتماع للمجلس، لأن ّالنصاب القانوني لا يكتمل من دونه.
5 - العضو الدرزي، مالك العياص، وهو محسوب على جنبلاط.
ويضاف إلى هؤلاء مفوّض الحكومة لدى المجلس وليد صافي، المحسوب أيضاً على جنبلاط.
• في جوهر اللعبة، تُتخذ القرارات بالتوافق بين 3 قوى سياسية:
1 - تيار «المستقبل» من خلال رئيسه.
2 - حركة «أمل»، بدعمٍ من «حزب الله» أيضاً، من خلال أحد نائِبَي الرئيس.
3 - جنبلاط من خلال الدرزيين: العضو في مجلس الإدارة ومفوض الحكومة.
وعلى رغم وصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، لم يستطع فريقه السياسي أن يخرق هذا الجدار بين قوى غير مسيحية. لكنّ رئيس «التيار الوطني الحرّ»، باسيل، يطمح إلى تحقيق توازن في مجلس الإدارة من خلال مشاركة فاعلة لـ»التيار» في التعيينات المنتظرة.
عملياً، إذا فرضَ باسيل حضوره في مجلس الإدارة، ستصبح القرارات نتيجة توازن جديد، ثلاثي واقعياً: سنّي - شيعي - مسيحي. ويصعب أن يكون التوازن رباعياً، أي بمشاركة درزية. وما يخشاه جنبلاط هو إبعاده عن النفوذ في المجلس، لمصلحة باسيل.
ويخشى جنبلاط أن يكون الحريري وباسيل قد توافقا على ذلك. فالحريري يستطيع أن يبيع هذه الورقة لباسيل ويقبض ثمنها في أمكنة عدة، وهذا ما لا يمكن أن يفعله مع جنبلاط.
الأرجح أنّ عون وباسيل سيعملان بقوة لمنع بقاء التوازن مختلّاً في المجلس. والتعيينات المقبلة ستترجم ذلك. وربما يرتضي الفريق الشيعي أن لا يبقى العنصر المسيحي خارجاً. فحتى اليوم، كان يتم إرضاء القوى المسيحية، عون أو جعجع أو سواهما، بتلبية القليل من المطالب هنا أو هناك. لكنّ جنبلاط يعتبر أنّ دخول باسيل بقوة سيكون ضربة كبيرة له حصراً، وهذا ما يستثيره، كذلك يستثيره الاتجاه إلى فتح أبواب العلاقات على مصراعيها مع دمشق.
ومعلوم أنّ تلزيم كل مشروع في مجلس الإنماء والإعمار، وتنفيذه، يعكسان تركيبته الإدارية، إذ يكون فيه توازن بين السنّي والشيعي والدرزي، والمسيحي أحياناً. فإذا اتفق هؤلاء تتمّ الصفقة وتتوزّع الحصص، وإذا اختلفوا عادوا إلى مرجعياتهم... فـ»تَنفرج»!
وما يثير الشهيّة لدخول المجلس هو أنّ الهامش الذي يتمتع به في اتخاذ القرارات واسع جداً، وهذا ما يجعله أكبر من أي وزارة. وآليات الحصول على التمويل وصرف الأموال فيه غير محصورة في أكثر الأحيان. ويتردَّد أنه يفاوض الجهات المانحة والطواقم الديبلوماسية ويتفق معها من دون الحاجة إلى المرور بأقنية إدارية أخرى.
وهذا المناخ دفع عدداً من القوى السياسية اللبنانية، في مراحل مختلفة، إلى توجيه انتقادات للمجلس، وخصوصاً في ما يتعلق بالشفافية. والأسئلة التي طرحها سياسيون في هذا الشأن، لم تلقَ الأجوبة غالباً. وتُطرَح أمثلة كثيرة على ذلك في الأوساط المعنية.
مثلاً: وافق البنك الدولي على بناء سدّ بسري، المنطقة الواقعة على فالق روم الزلزالي المعروف (الزلزال الكبير الأخير وقع هناك في العام 1956)، علماً أنّ التقريرين الأول والثاني اللذين قدَّمهما الخبراء أوصيا بعدم بناء السدّ.
ولكن، بسحر ساحر، تمّ إعداد تقرير ثالث يُقدّم استنتاجاً معاكساً، وعلى أساسه جاءت موافقة البنك الدولي. وهذا التقرير هو اليوم موضع انتقاد علمي حادّ من غالبية الخبراء ومهندسي البيئة في لبنان، لأنّ بناء السدّ في منطقة زلزالية يُنذر بكارثة. ونماذج السدود التي تتسبّب بكوارث تتكرر يومياً في بلدان العالم.
ويطرح بعض المتابعين شكوكاً في وجود تنسيق بين الجهات اللبنانية المستفيدة من استجلاب الدعم المالي وبعض المستفيدين في المؤسسات الدولية المانحة.
فمن مصلحة الطرفين إتمام المشاريع وتدفُّق الأموال: الفريق الأول يستفيد من فوضى إنفاقه الأموال في لبنان، والفريق الثاني يحصل على المكافأة في مؤسسته لأنه نجح في تكبير محفظة المبالغ التي ينفِقُها لتنمية بلدٍ معيَّن.
وهذا «التفاهم المصلحي» باتَ بعض المؤسسات المحلية والدولية بارعاً فيه. وهناك مَن يسمّي موظفين في مؤسسات دولية مانحة، يعتقد أنهم حصلوا على ترقيات في مناصبهم نتيجة اعتمادهم نهج «تكبير حجم المحفظة»، على علّاتها، في تلزيمات ليست شفّافة في لبنان ودول أخرى تعاني نقص الشفافية.
ولطالما تبادلَ السياسيون اتهامات بارتكاب الخطايا في كثير من التلزيمات في مناطق لبنانية مختلفة، على مدى سنوات طويلة، وانعدام الشفافية والاستنسابية، ومنها اتهامات طاوَلت مجلس الإنماء والإعمار في كثير من مراحل عمله، على مدى ربع القرن الفائت.
واليوم، ينتظر اللبنانيون بزوغ فجر الإصلاح وإنهاء الفساد. ويبدو مجلس الإنماء والإعمار على محك التجربة. فهل يكون مختبر الإصلاح والشفافية أم ساحة نزاع إضافية على «الجبنة»؟!