قبل تشكيل الحكومة كان الهمس في الساحة السُنية "شغّالا" حول العلاقة الرسمية اللبنانية مع سوريا بعد التشكيل، وكان توزير عضو المكتب السياسي "الشرس" في تيار المستقبل مصطفى علوش، أو عدمه، واحداً من أهم مؤشرات "العودة القسرية" الحريرية إلى الحضن السوري.
تشكّلت الحكومة، وعلى عكس المتوقّع، وخلافاً للوعود، الطبيب الشمالي المحبوب، ذو القاعدة الشعبية المرتفعة، خارج حسابات التيار الأزرق الحكومية، علماً أن التسوية التي أفضت إلى عدم ترشيح الرجل للانتخابات النيابية في أيار الماضي، كان يقابلها كلامٌ يقول إن حقيبة علّوش الوزارية في الحفظ والصون.
يقول مستقبليّ عتيق: "عندما صرّح علوش في إحدى مقابلاته التلفزيونية بأنه يفضّل ألا يكون وزيراً في حكومة يُتوقّع أن تطبّع مع سوريا، علِمتُ بأن بورصة حظوظه الوزارية هبطت إلى أدنى مستوياتها، لأن عودة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى سوريا هي مسألة وقت لا أكثر".
فمبررات كثيرة لها أن تعبّد الطريق بين بيت الوسط ودمشق، وإن كان الحريري سبق وزار الرئيس السوري بشار الأسد بعد خمس سنوات من اغتيال والده، تحت حجّة الحفاظ على أمن البلد واستقراره، فهذه المرّة المبرّرات أكثر، والحجج أكبر، ويعاني لبنان من اغتيالات اقتصادية لا تقلّ لعنةً عن تلك السياسية.
وفي مقدمة هذه المبرّرات تأتي قضية النازحين السوريين في لبنان، إعادة إعمار سوريا، وحظوظ لبنان بأن يكون المنصة لهذه المرحلة، والالتفاف العربي لا سيما الخليجي على سوريا، وضرورة فتح معبر ناصيب الحدودي.
يفتح المستقبلي العتيق الذي عايش الرئيس الشهيد رفيق الحريري في مسيرته السياسية، هاتفه الذكي، يقلّب بصفحات تطبيق "تويتر" ويقرأ لنا في مجلسٍ خاص تغريدة كتبها علوش غداة ولادة الحكومة، إذ استعان بمقطعٍ من قصيدة كامل الشنّاوي "لا تكذبي"، وجاء في التغريدة: "ورأيت أنّك كنتِ لي قيدا حرِصت العمر ألّا أكسُرَه فكَسَرتِهِ، ورأيت أنّكِ كنتِ لي ذنباً سأَلتُ الله ألّا يَغفِرَهُ فَغَفَرتِهِ! كوني كما تبغين، لكن لن تكوني، فأنا صنعتك من هوايا ومن جنوني، ولقد بَرِئْتُ من الهوى ومن الجنون".
يربط المستقبليّ في حديثه لـ"السياسة" التغريدة برسالةٍ واضحة للحريري، تحمل معها أبعاداّ قد تصل إلى انشقاق علوش عن تيار المستقبل، وهو الأمر الذي نفاه علوش في حديثٍ صحفي له، إلا انه لم يخبّئ عتبه على الحريري، مؤكداً أنه "لم يتلقَّ أيّ إجابة واضحة" حول سبب عدم توزيره، وأنه "عملياً لا زال في انتظار سماع الجواب المُقنِع الذي لم يصله بعد".
ويتوقّع المصدر نفسه أن "تنكسر الجرّة بين علوش والحريري" عند ملاطفة دمشق في البيان الوزاري، أو على أبعد تقدير زيارتها من قبل رئيس الحكومة. ويرى فيها نكسة للمستقبل، لأن علوش له أرضية شعبية واسعة في الشمال، انطلاقا من أعماله الإنسانية في بيئته، كتقديم العلاج الناس من دون مقابل، على سبيل المثال لا الحصر.
ترفض أوساط بيت الوسط نظرية العودة الحريرية الى سوريا، وترى أنها "غير منطقية وغير واردة لا سيما وأن الحريري محكومٌ عليه في سوريا بتهمة الإرهاب"، إلا أن المستقبليّ العتيق يصرّ على صحّة قراءته للوقائع، ويشدد على أن هذه الزيارة آتية لا محالة.
ويربط بين ولادة الحكومة وهذه "التكويعة"، فالتشكيل الذي جاء ببصماتٍ فرنسية، يجب التوقف عند أبعاده، على اعتبار أن لفرنسا مواقف مغايرة للمبادئ التي يستمرّ العيش على شعاراتها "المستقبل" فيما يخص سوريا، بحسب المصدر الشمالي.
كما كان للتخريجة الحكومية نصيب من اتصال وزير الخارجية المصري سامح شكري المطوّل بنظيره الروسي سيرغي لافروف، بحجة بحث مستجدات الأوضاع في الشرق الأوسط، عقب تمثيل شكري لبلاده في قمة بيروت العربية الاقتصادية، إذ حمل الأخير للافروف "رسائل مهمة" على الصعيد الحكومي، متصلة بطبيعة العلاقة التي ستكوّنها الحكومة اللبنانية الجديدة مع سوريا، الربيب المدلّل لروسيا، علماً أنه سبق لشكري أن التقى مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط نائب وزير الخارجية ألكسندر سلطانوف قبل توجهه إلى لبنان بأيام.