إستفاض بالأمس أمين عام حزب الله بالحديث عن وزارة الصحة التى باتت من حصة الحزب بعد أن تسلمها الوزير الدكتور جميل جبق، ولو أن الوزير المعني غير حزبي بالمعنى التنظيمي للكلمة إلا أن السيد نفسه عبر أن الوزارة هي وزارة الحزب وأن نجاحها تعني أولًا وأخيرًا نجاح لحزبه، فضلًا عن الخطة العملية التي وضعها السيد للوزير وكيفية ممارسته لمهامه أوقعت السيد بالمحظور الذي حاول أن يتجنبه.
ومن التبعات السلبية المتوقعة للوزارة والمساعدات الخارجية والتعاون المرتقب بالخصوص في ظل العقوبات الأميركية المفروضة على الحزب الايحاء بأن وزارة الصحة الجديدة، هي بمثابة المعيار على فشل أو نجاح تسلم الحزب للوزارات في الكثير من الجفاء للحقيقة.
إقرأ أيضًا: هذا ما سيحصل بعد 100 يوم
إذ كيف يمكن التغاضي عن وزارات عديدة سابقة كان قد استلمها الحزب وبوزراء حزبيين تعاقبوا منذ 2005 على وجودهم بالحكومات المتتالية، بالحج محمد فنيش تسلم وزارة الطاقة والكهرباء ولا يزال حتى اللحظة في وزارة الشباب والرياضة، والوزير السابق حسين الحج حسن هو الآخر تسلم عدة وزارات كان آخرها وزارة الصناعة!!
فما معنى الحديث الآن عن "النموذج" والحرص على المال العام في وزارة الصحة تحديدًا؟؟
وأين كان هذا الحرص في الوزارات السالفة؟!
الحديث عن وزارة الصحة تحديدًا وبهذا التركيز هو رسالة واضحة للمجتمع الدولي بشكل أساسي، وليس للبنانيين مما يعكس حجم التخوف والتحدي المنتظر بهذا السياق في مرفق اساسي يطال حياة اللبنانيين وصحتهم، واعتقد أن "تطمين المجتمع الدولي" يحتاج أكثر بكثير من مجرد طلة تلفزيونية.
أما من ناحية المعايير التي أوردها السيد كمحاولة إستباقية للتدليل عن حرص الحزب على المال العام ومن ضمنها الالتزام الشرعي الديني للوزير، فهذه النقطة تحديدا تحتاج الى نقاش مستفيض قد لا يكون هنا محله، ولكن لا بد من الإشارة السريعة أن حسن الإدارة وخطط تفعيل أي مؤسسة أو وزارة لا تحتاج حصرًا إلى صفة التدين والالتزام الديني، فأمانة الوزير أو المدير ليست كافية للنجاح ولا تشكل وحدها ضامن فعال لحفظ المال العام، ولنا بالتجربة العراقية خير دليل، بحيث قدم المتدينون هناك أبشع نموذج اللصوصية والسرقات ونهب المال العام من شخصيات ملتزمة دينيًا وتزايد على الاخرين بصلاتها وصومها وندبها وتعلقها بكل الطقوس الدينية.
إقرأ أيضًا: ماذا يعني تسمية محمد داوود داوود؟
فكما أن السارق في بلادنا يجتهد أن يتستر بالنصوص القانونية، فيعمل على قوننة سرقاته، فكذلك هي الحال بالنسبة لمن يدعي الالتزام الديني، فإن "المخارج الشرعية" لا تعد ولا تحصى عند من يريد التلاعب بحيث يمكنه أن يسرق وينهب قربة الى الله!! بالخصوص عند من يعتقدون بعدم شرعية الحاكم ما لم يكن المعصوم او من يعينه (حزب الله منهم)، مما يجعل من المال العام بحسب هذه الرؤية الفقهية هو مال مجهول المالك ولا ضير شرعًا "باسترداده" لمصلحة الحاكم الشرعي (ولي الفقيه).
ختامًا، لا بد من القول أن العيون والرقابة ستكون على وزارة الصحة وكل الوزارات ليس لكون العيون على حزب الله كما قال السيد، بل لأن المواطن اللبناني كفر بكل الوعود الاصلاحية، ولأن المواطن اللبناني لم يعد يؤمن بكل خبريات محاربة الفساد، وبالتالي فإن السيد لم يقنعنا بالأمس أن وزارة الصحة سوف تكون أفضل حالًا من بقية الوزارات طالما أن المشروع السياسي للحزب له الأولوية المطلقة على حساب كل التفاصيل الأخرى ومنها مصلحة المواطن.