أكثر ما يثير حفيظتك وأنت مسمَّرٌ أمام شاشات التلفزة، تشاهد كثرة البرامج حول المآسي والإنتحار والفقر والمعاناة، وفي كل محطةٍ منها يستضيفون شيخا من تجار العقول والنفوس والمعروفين بشيوخ الطرق، ومجاز في إجازة علوم الشعوذة والسحر وفي لحن الجن من القول، وممن يتبوؤون وظائف في مناصب الوعظ والقضاء والإفتاء، ويعز بحسب إجازته الفنية على خشبة مسارح الحياة،بالترقي إلى الوعي الأخلاقي الإنساني، وفي محطاتٍ أخرى ينفي أن يتلبس الجن بحياة الإنسان، ويغضُّ بصره أنَّ الجنَّ الأكبر والموت الأعظم هو الفقر والحاجة التي تجعل الإنسان نفسه من الجن والعفاريت، في حين هو يصله آخر الشهر معاشه بالملايين، بالإضافة إلى تجارة الدين والبشر والحجر ليزداد تخمة فوق تخمة،فضلاً عن تجاراتٍ رابحةٍ ورائجةٍ في مجتمعنا وبلدنا على حساب الشرف والفضيلة، التي يحدثنا عنها في محافله المتلفزة، فليته يخبرنا عنها في حانوته ومجلسه، أو ليحدثنا عن الحقيقة التي تعبث فيها قوانين تجلب لأكثر المتخمين من شيوخ وقضاة وموظفين هم عاطلون عن الدين والعلم والعمل وينتظرون إرتزاقهم الشهري، من مناصبهم ووظائفهم، بالإضافة إلى أكلهم الحقوق الشرعية تحت ألف ذريعة وذريعة، وبطرقٍ غير مشروعة وغير شرعية، وفي الوقت الذي يعظون الناس البسطاء والفقراء بالتصبر والصبر على الفقر والبلاء، أية حقيقة هذه التي تعبث بعقول الناس ما يسمى بقانون يشرع لهؤلاء الكسالى حقهم في الوعظ والإرشاد وفي الكسب الذي يراه العقلاء أنه كسب غير مشروع على حساب الفقير والمحتاج، كيف يمكن لهذه القوانين أن تشرَّع لمفتي أن يفتي للناس باسم الله وهو لا يعرف فقراً وحاجة، أو للقاضي الذي ينتظر معاشه الشهري والضمان الأبدي، أن يحكم على فقيرٍ سرق رغيف خبز عن حاجة وعوز ليشبع بطنه وعياله، أية قوانين هذه التي تعبث بدين الله وتلعب بعقول خلق الله تحت هذه المبررات، ألم تعلم لربما نفسٍ عفيفةٍ حكم عليها بالموت والفقر لهي أصفى عند الله من كثيرٍ من المرتدين أمثالكم لباس محمد بن عبدالله (ص) من إرتزاقكم ووظائفكم الغير مشروعة والغير شرعية..
يبقى الفرق بينكم وبين عباد الله، أنتم تأكلون باسمه الله وتعتاشون على مال الناس وتعبهم وعرقهم، وهم أقرب إلى الله بعفتهم وطهارتهم ويرتزقون من تعبهم وشغلهم المتصل ليلهم بنهارهم، وفي الوقت نفسه أنتم نيام وكسالى ومتخمين.
[فورب السماء والأرض لهم أقرب إليه منكم ومن كل مرتزقٍ باسم الله، وأنتم من تحتاجون إلى الوعظ وإلى شفاعتهم يوم القيامة... (وقل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن، وسبحان الله وما أنا من المشركين).