غاب الباشا أمين الباشا.
بصمتٍ، بسلامٍ، باستسلامٍ مهيب، لكن بعد اتعابٍ عظيمة، فارقنا خلال هذا الليل الأليم، الفنان الكبير جداً الذي منح الجمال معنى أوسع من معناه، وكرّم اللون بأن جعله غابة، واقتطع للفرح مملكة وجمهورية وإمارة، لا تستطيع ممالك القبح وجمهورياتها وإماراتها أن تنتقص من عبقرية ضحكتها، أو أن ترشقها بوردة.
يعزّ عليَّ أن أزفّ هذا الرثاء المتواضع إلى القرّاء، إلى اللبنانيين، إلى العرب، إلى العالم، وأنا مكسور القلب، منسدل العينين، معلناً أن ريشة الباشا انكسرت، وأن حنجور اللون الذي لطالما كان يسكر ويتلوّى شبقاً وشغفاً وإثارةً بين يديه، سقط مضرّجاً على أرض اللوحة، معلناً انتهاء المشوار.
رسّام المدينة، وإيقاعات الشارع، والمقهى، والبحر، والأفق، والسماء، والهواء، والحبّ، واللغة، والشجرة، والغيمة، والتفاحة، والوردة، والرحيق، والعطر، والصمت، والظلّ، والموسيقى، رتّب للوحته مكانتها العالمية، وها هو الآن ينام بهدوء المضمّخين بالجمال الأقصى، ملتحقاً بالغابة المجنّحة.