اتخذ رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط خيار المواجهة التي تمثلت في التصعيد في وجه رئيس الحكومة سعد الحريري و«التيار الوطني الحر»، وسط مشاعر متنامية في صفوف «الاشتراكي» بأن هناك محاولات لتطويق جنبلاط، في مقابل اتخاذه إجراءات بدأت بإرسال موفديه باتجاه الحلفاء رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وسط ترقب لمواقف حلفائه التي لم تتبلور في اليوم الثاني من الاشتباك.
وللمرة الأولى منذ العام 2005 يتنامى هذا الشعور لدى رئيس «الاشتراكي» الذي وجد نفسه بعيداً عن الحريري، في مقابل إظهار الأخير خلال عملية تشكيل الحكومة انسجاماً بالغاً مع وزير الخارجية جبران باسيل، رغم محاولات جنبلاط الاحتفاظ بالعلاقة مع رئيس الحكومة التي تعود إلى وقت طويل، في ظل تراكم الملفات بين الزعيم التقدمي و«التيار الوطني الحر».
ومع أن هناك ملفات عدة دفعت جنبلاط للتصعيد في مؤتمر صحافي عقده أول من أمس الأحد، بينها رفع الصوت لحماية اتفاق الطائف، وقضية الدفاع عن النازحين السوريين، فإن الزعيم الدرزي يأخذ على الحريري عدم إبلاغه بتولي الوزير غسان عطا الله وزارة المهجرين، خلال لقائهما عشية إعلان الحكومة. وبحسب مطلعين، فإن تولي عطا الله الحقيبة، ينظر إليه جنبلاط بحساسية، ويتطلع إلى ملف المهجرين بوصفه دقيقاً ويتطلب تعاطياً مرناً.
ويضع الحريري السجال القائم في خانة المهاترات السياسية التي ظهرت قبل البدء في العمل الحكومي. وقال أمس: «المواطن اللبناني قرف من المهاترات السياسية وقرف أن يسمع رأي حزب بحزب آخر، وإذا لم يستوعب البعض هذا الأمر لغاية الآن فسيستوعبه في الانتخابات المقبلة. إذا لم ننتج، كلنا سنذهب إلى بيوتنا». وأضاف: «إذا اعتقد أحد أن بزعامته يستطيع أن يمشي على المواطن اللبناني، كلا فإن المواطن اللبناني سيمشي علينا جميعا إذا لم ننتج».
وإذ شدد الحريري على أنه «علينا أن نعمل»، قال: «أنا اتخذت قرارا بأن (أشمر عن زنودي) وأعمل ليل نهار، ومن يريد أن يقف بوجهي ويعرقل عملية الإنتاج ليس عليه إلا أن يحيد جانبا، وإذا لم يفعل فأنا سأستمر ولو اصطدمت بأي كان». وأشار الحريري إلى أن «الجميع ملّ كلام السياسة الذي يدعي فيه البعض الدفاع عن طائفته تحت راية حقوق هذه الطائفة أو تلك، ولكن الواقع هو غير ذلك فهذا الكلام هو لمصلحة حزبه أو تمنياته».
ولا يخفي المقربون من «الاشتراكي» أن هناك محاولة تطويق للحزب وزعيمه، وهو ما لا يوافقهم عليه رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي أخبر شخصيتين من «الاشتراكي» زاراه ليل أول من أمس بعد المؤتمر الصحافي لجنبلاط، أن الأخير «لن يكون معزولاً»، بحسب ما قالت مصادر الاشتراكي لـ«الشرق الأوسط». وبرأي المصادر نفسها، فإن بري، الحليف الرئيسي: «لن يترك جنبلاط وحيدا بمواجهة محاولات حصاره، ورئيس مجلس النواب مستعد للعب دور في منع تطويقه، لكن لن يتحرك فيه فوراً، بل سيترك الأمور تأخذ مداها الطبيعي» في ظل الضراوة التي تتسم فيها التصريحات من كلا الطرفين.
ولا يرى «الاشتراكي» أن حصار وليد جنبلاط بدأ بعد تشكيل الحكومة. ويقول النائب بلال عبد الله لـ«الشرق الأوسط» إن المحاولات «بدأت في قانون الانتخابات، ثم بالضغوطات التي مورست عليه للتضحية بالوزير الدرزي الثالث، وبعدها للتخلي عن وزارة الصناعة ومقايضتها بوزارة أخرى». وعما إذا كان جنبلاط يفقد موقعه كـ«بيضة قبان» سياسي في البلد، قال عبد الله: «أصلاً لم يعد هناك قبان في البلاد. ثمة أجندات مالية واستثمارية في البلد، كذلك أجندات خارجية» في إشارة إلى التنسيق مع سوريا. وقال: «الأجندات الاستثمارية تحكم الأداء السياسي».
وأكد عبد الله أن خيارات جنبلاط تتمثل في «المواجهة لصالح البلد والوحدة الوطنية وحماية اتفاق الطائف وتصويب السياسة الاقتصادية الاجتماعية للدولة»، مشدداً على رفض «الاشتراكي» لأي حلول اقتصادية «تفرض على حساب الناس والفقراء»، مضيفاً: «لن نسمح بتحويل البلد إلى شركة مساهمة، ولن نفرط بالشق المتعلق بالناس وحقوقهم. نحن مؤتمنون على مصالح الناس في مواجهة أشخاص يسعون لإلغاء دور الدولة بالرعاية الاجتماعية»، مشدداً على أن المواجهة «ستكون بالطرق الديمقراطية». وأضاف: «نحن في مواجهة لتصحيح الخلل في إدارة شؤون البلاد، ولتصويب البوصلة السياسية للحفاظ على الطائف، ولمنع التجاوز للأصول السياسية ونهج أكل البلد شقفة تلو أخرى»، معتبراً أن اتفاق معمل دير عمار وتأجير مصافي النفط في الشمال «تجاوز لحقوق الناس».
وعن حلفاء جنبلاط وخياراتهم، قال عبد الله: «لن نستعجل الأمور. ننتظر الحكومة والبيان الوزاري، وليس المطلوب أن يذهب الجميع في نهج واحد. كل فريق يعبر عن مواقفه بأسلوبه، ومن المبكر احتساب من مع الاشتراكي ومن ضده».
ورغم ذلك، توقعت مصادر سياسية أن يؤازر بري جنبلاط، أما «المردة» و«القوات» فيتقاطع موقف جنبلاط مع موقفهما حول ملف الكهرباء. ولفتت إلى أن جنبلاط يتجه إلى تعزيز علاقاته مع المردة والقوات، وقد بدأ جنبلاط فعلاً التحرك، حيث أوفد النائب مروان حمادة والوزير أكرم شهيب أول من أمس إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، كما أوفد الوزير أكرم شهيب للقاء رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع مساء أمس، لوضعهما في أجواء المواقف التي اتخذها بعد تشكيل الحكومة.
وتواصل التصعيد أمس، إذ غرد جنبلاط قائلاً: «لا يا صاحب الجلالة الدولة ليست ملكا لكم أو لزميلكم. والدولة ليست دفتر شروط لتلزيمها بالمطلق للقطاع الخاص وفق فلسفة وزير الاتصالات وكما فعل بعض الوزراء وباعوا المصفاة ودير عمار. وقبل توظيف مال إضافي في الكهرباء إياكم وزيادة التعريفة. حصلوا الهدر في الجباية ويقدر بالأربعين في المائة».
ورد الحريري بتغريدة قائلاً: «الدولة ليست ملكاً لنا حتماً، لكنها ليست مشاعاً مباحاً لأي زعيم حزب». ومضى يقول: «التغريد على (تويتر) لا يصنع سياسة... إنها ساعة تخلي عن السياسة لمصلحة الاضطراب في الحسابات».
من جهته، دعا وزير الصناعة وائل أبو فاعور، الوزير جبران باسيل إلى «وقف الهرطقة» وتخفيف «المونة عالبلد»، قائلا: «هذه المرة الأولى التي لم توزع علينا وثيقة اتفاق الطائف في أوّل جلسة لمجلس الوزراء، إما الأطراف السياسية متوازية وإما لن يسير النظام السياسي كما يشتهي أحد».
ورد عليه وزير الدفاع إلياس بوصعب، قائلاً: «أستغرب قوله إنّ وثيقة الوفاق الوطني لم توزع علينا في جلسة مجلس الوزراء الأولى في حين أنّها وُزّعت وتركها عند مغادرته على الطاولة». وتابع بوصعب: «نحن لا نتصرّف بالمونة بل وفق الدستور الذي سنتشدّد في تطبيقه في هذه المرحلة. لقد أتينا لمدّ يد التعاون للجميع وإن كان لدى أي فريق هواجس أكان جنبلاط أو وزراء التقدمي الاشتراكي فيمكن أن نتحاور سويا لأننا لا نعمل خارج الدستور».