رفضت طهران، أمس، رهن «الآلية الخاصة» للالتفاف على العقوبات الأميركية بامتثالها لمعايير «فاتف»، وفق ما نقل متحدث برلماني عن وزير الخارجية محمد جواد ظريف، فيما قال رئيس مجلس «تشخيص مصلحة النظام» والسلطة القضائية، صادق لاريجاني، إن بلاده «لن تقبل الشروط المذلة» لآلية فرنسا وبريطانيا وألمانيا، مشدداً على رهن الآلية بالانضمام إلى «فاتف» والتفاوض حول الصواريخ. فيما قال الاتحاد الأوروبي، أمس، في بيان، إنه «قلِق بشدة» من إطلاق إيران صواريخ باليستية ومن الاختبارات التي تجريها على تلك الصواريخ، داعياً طهران إلى الإحجام عن تلك الأنشطة التي زادت من الارتياب وزعزعة الاستقرار في المنطقة.
وقال المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية، علي نجفي، للصحافيين، أمس، إن وزير الخارجية محمد جواد ظريف، أبلغ نواب البرلمان أن طهران «لن تقبل بربط الآلية المالية بامتثال طهران للانضمام إلى (فاتف)» على الرغم من تأكيده اعتبارها «خطوة إيجابية وأولى من الاتحاد الأوروبي لحفظ المصالح الإيرانية في الاتفاق النووي».
وأجرى ظريف وأعضاء لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية الإيراني في البرلمان، أمس، مشاورات حول وظائف الآلية المالية بحضور وفد يضم مسؤولين من وزارة الاقتصاد والبنك المركزي.
وقال ظريف: «قدمنا احتجاجنا على ربط الآلية بـ(فاتف)، وقلنا إن الخطوة الأوروبية المتأخرة في إطلاق الآلية لا يمكن أن تكون مرهونة»، حسب وكالة «إيسنا».
واتخذ الاتحاد الأوروبي، أمس، خطوة متوقعة منذ أيام بإصداره بياناً يدين الصواريخ الإيرانية ودورها المزعزع للاستقرار في المنطقة.
ووصفت وكالة «رويترز» بيان الاتحاد بأنه «نادر بشأن إيران». وقال البيان إن إيران «تواصل جهوداً لزيادة مدى ودقة صواريخها، إلى جانب زيادة عدد الاختبارات وعمليات الإطلاق»، مضيفاً: «هذه الأنشطة تعمق الارتياب وتساهم في زعزعة الاستقرار الإقليمي».
وعلى مدى الأسبوع الماضي، كشفت إيران عن نسخة ثانية لصاروخ «خرمشهر» الباليستي، البالغ مداه ألفي كيلومتر، كما كشفت عن إنتاج صاروخ «كروز» يدعى «هويزه» يصل مداه إلى 1350 كلم.
تأتي الخطوة الأوروبية بعد أربعة أيام من تدشين الآلية الخاصة «إنستكتس»، المسجلة في فرنسا برئاسة المصرفي الألماني بير فيشر المدير السابق لـ«كومرتس بنك» وإدارة مالية بريطانية، وتهدف إلى تسهيل التجارة بغير الدولار، وهو «إجراء سياسي لحماية الشركات الأوروبية»، وفق ما قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان.
وقال بيان الدول الثلاثة، الخميس، إن الآلية تركز في بادئ الأمر على القطاعات الأكثر أهمية للشعب الإيراني، مثل السلع الغذائية والأدوية، لكن الهدف على المدى الطويل هو الانفتاح على المؤسسات التجارية في بلدان أخرى غير أوروبية وترغب في التجارة مع إيران.
ويصرح البيان بأن الآلية «خطوة أولى رئيسية سيتم العمل بها وفقاً لنهج الخطوات التدريجية»، لكن هناك شروطاً واضحة وضعتها الدول الثلاثة كأساس للتقدم في الخطوات وأولها «الشفافية».
وتعهدت الدول الثلاثة بأن يكون عمل الآلية «بموجب أعلى المعايير الدولية فيما يتعلق بمكافحة غسل الأموال، ومكافحة تمويل الإرهاب، والامتثال لعقوبات الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة».
وقال الثلاثي الأوروبي إنه يتوقع من إيران الإسراع في تنفيذ جميع عناصر خطتها للامتثال بمعايير مجموعة مراقبة العمل المالي «فاتف». وختم البيان بالتنويه إلى الموقف الأوروبي من الدور الإيراني على الصعيدين الإقليمي والصاروخي، وقال: «سنبقى واضحين في تأكيدنا أن هذا الالتزام لا يمنعنا بأي شكل من الأشكال من التعامل مع أنشطة إيران العدائية والمزعزعة للاستقرار». وفي المقابل حذرت واشنطن الشركات الأوروبية من ملاحقتها بالعقوبات، وقالت: «لا تتوقع أن يتغير ذلك بسبب مسعى الاتحاد الأوروبي». وقال نجفي إن ظريف قدم تقريراً حول «مفاوضات جرت بين الجانبين الإيراني والأوروبي بعد الانسحاب الأميركي حول الآلية المالية»، ونقل عن ظريف قوله: «ننتظر المراحل التنفيذية والعملية للخطوة».
وحسب ناطق باسم البرلمان، فإن ظريف ناقش في الاجتماع «تداعيات الآلية على الأمن الإيراني ومحدوديتها بسلع الغذاء والأدوية، وحاجة إيران إلى آليات مماثلة».
وينظر للآلية الأوروبية على أنها وسيلة لمقايضة صادرات النفط والغاز الإيرانية مقابل مشتريات السلع الأوروبية، وجاء ذلك في حين أن إعفاءات الإدارة الأميركية التي حصلت عليها ثماني دول من العقوبات النفطية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي لم تشمل الدول الأوروبية.
وأثار تسريب تفاصيل الآلية المالية نقاشاً حاداً في إيران. وكان لافتاً أن فريق الدبلوماسي المقرب من ظريف رمى بكل ثقله في وسائل الإعلام وشبكات التواصل لصد الانتقادات اللاذعة من منتقدي الاتفاق النووي في إيران والحلقة المحسوبة على «الحرس الثوري» والتيار المحافظ.
وتزامن تفعيل الآلية مع تفاقم الخلافات بين أجهزة صنع القرار الإيراني حول مشروع الحكومة، خصوصاً أن أربع لوائح تفتح الباب للانضمام إلى مجموعة مراقبة العمل المالي «فاتف». وأقر البرلمان مشروع الحكومة للانضمام إلى اتفاقية مكافحة تمويل الإرهابCFT) ) و«اتفاقية بالرمو» لمكافحة الجريمة الدولية، ورفض مجلس صيانة الدستور تمرير القوانين، ما أدى إلى إحالتها إلى مجلس «تشخيص مصلحة النظام».
ولم يعلن مجلس «تشخيص مصلحة النظام» قراره النهائي حول الانضمام إلى «فاتف» بعد أكثر من 10 أيام من تسريبات وكالات إيرانية، تشير إلى رفض لجانه المجلس مشروع الحكومة للانضمام إلى الاتفاقيتين الدوليتين.
لكن رئيس «مجلس تشخيص مصلحة النظام»، الذي يرأس السلطة القضائية في الوقت نفسه، صادق لاريجاني، قال في أول تعليق إن بلاده «لن تقبل إطلاقاً الشروط المذلة، ولن تخضع لأي مطلب بذريعة فتح قناة مالية صغيرة تدعى (إنستكتس)».
وفي ظل ضبابية مواقف الحكومة، أبدى لاريجاني استغرابه من شرطين من الجانب الأوروبي لتفعيل القناة المالية، وهما «الانضمام إلى (فاتف) والتفاوض حول الصواريخ الباليستية».
ولم تؤكد كل من الحكومة والخارجية الإيرانية قبل تصريحات لاريجاني، وجود شرط حول المفاوضات الصاروخية، لكن خلال الأيام الماضية خرج أكثر من مسؤول عسكري وأعلن تمسك بلاده ببرنامج الصواريخ وتطويره.
واستند لاريجاني على مواقف سابقة للمرشد الإيراني يبدي فيها تحفظه على المفاوضات النووية، وتتمحور حول أزمة الثقة بين الغرب وإيران، مشيراً إلى أنه وافق على المفاوضات النووية «بشروط»، وقال إن الأوروبيين «يسيرون على خطى الأميركيين».
وحسب ما نقلت «رويترز» عن وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري»، فإن لاريجاني احتج على «نطاق عمل الآلية»، وقال: «بعد تسعة أشهر من المماطلة والتفاوض، أنشأ الأوروبيون آلية محدودة ليس من أجل التبادل المالي، وإنما للغذاء والدواء فقط»، وقال إن الدول الأوروبية «اقتصرت خطواتها بالآلية المالية».
ورفضت الإدارة الأميركية عند إعلانها عودة العقوبات على طهران في مايو (أيار) الماضي، اتهامات إيرانية بفرض العقوبات على الغذاء والأدوية.
وتساءل لاريجاني ما إذا كانت بلاده «عاجزة عن تأمين الأدوية والغذاء» لقبول الشرط، وقال: «من الأساس هل الأدوية والغذاء ضمن العقوبات حتى تعتبر الآلیة امتيازاً».