الهمس الدائم حول صحة الرئيس ميشال عون، لا إخلاقي ولا إنساني، ولا سياسي طبعا، مثله مثل الرد الذي أطلقه أحد مريديه قبل أيام وتوقع له أن يعيش عشر سنين، لكي يصبح في الرابعة والتسعين، وهو أيضاً تقدير غير لائق وغير منسجم مع رقم المئة الذي يتداوله المحبون ويجاملون به كبارهم.
الرئيس عون يقوم بمهامه الرئاسية كاملة وبأكثر مما هو متوقع ومطلوب. ساعات عمله تتجاوز ما يبذله آخرون من أترابه ومجايليه. في القمة العربية الاقتصادية الاخيرة، وطوال يوم شاق وطويل، لم يتلعثم بكلمة واحدة، ولم يخطىء بإسم أي من ضيوف لبنان العرب. وكذا في الايام الاخيرة من مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة. لم يصدر ما يوحي أن تركيزه ضعيف أو أن ذهنه مشتت، على ما كان يهمس بعض خصومه. هو هرم، لكنه باق في منصبه طوال السنوات الاربع المتبقية من ولايته الرئاسية، ولن يكون من المستبعد ان يطلبَ التمديد لولاية رئاسية ثانية، أو يتوسله اللبنانيون جميعا كي يظل رئيساً، عندما يكتشفون أن المرشحين لخلافته ليسوا أفضل منه، وعندما يلاحظون أنه لم يبلغ المئة بعد.
هو الرئيس، كان وسيبقى الى أجل غير مسمى. وكل كلام مخالف يسيء الى قائله، أكثر مما يمس الرجل، ويعطل نقاشاً ضرورياً وتقييماً موضوعياً للرئاسة التي لا تزال تبدو وكأنها مجرد حلم قديم حققه ضابط سابق لم يستطع ان ينال المنصب بالكامل من الرئيس الاسبق أمين الجميل، وها هو اليوم يمضي أيامه وساعاته الاخيرة في القصر الذي أقام به يوماً وأطلق على اللبنانيين أو نصفهم على الأقل صفة العظمة، قبل ان يكتشف أخيراً أنهم شعب كسول، فاسد، ومشتت.
هو الرئيس، وحده لا شريك له. حلّ في المنصب منذ سنتين ونيف، ليسد فراغاً مديداً، وينشل الرئاسة من وهن قديم، ويستعيد مجداً غابراً، ودوراً متقدماً. لكن تلك المرحلة ظلت أشبه ما يكون بإحتفالية مملة لا تنتهي بالولادة الأولى لعهد قوي طال إنتظاره، وبالولادة الثانية للجمهورية المستردة من خصوم الامس في السياسة والطائفة وبالتالي من متاريس الحرب الاهلية. ولم تتوقف الاحتفالات الا لفترة وجيزة، عندما دخلت مشاورات التكليف والتشكيل للحكومة في مرحلة الجد، والاختبار الفعلي لموازين القوى، فكان لأمين عام حزب الله حسن نصر الله، ما أراد، ومما لا يحق له، ولا يجيز أن يحرج حليفاً مهماً لا يستغنى عنه، فيبقي البلد تسعة أشهر في الانتظار من أجل لا شيء.
الآن، وحسب الرئيس نفسه، فإن العهد بدأ للتو، وها هي حكومته الاولى تستعد للحكم. وأي كلام عن التوريث، إفتئات سابق، وتشويش لاحق. والمنطق السياسي، قبل الأخلاقي والانساني ، يحول دون الترويج لمقولة أن عون، الذي لا يحتضر، يستعد لتوريث صهره جبران باسيل، أو أن هذا الاخير، الذي لا يستعد للدفن، يمهد لوراثة عمه. الأسلم والأدق والأجدى إنكار هذين الاحتمالين، وتأجيلهما قدر الامكان.. والدخول في نقاش سياسي حقيقي حول بداية العهد التي أعلنت هذا الاسبوع.
السجال يجب أن يبقى مع الرئيس وحده دون سواه. الجمهورية لم تصبح مؤهلة للتوريث بعد،(ربما تسير في هذا الاتجاه في مرحلة لاحقة) وهي لا يجوز أن تسلم بأن الرئاسة بروتوكولية، أو أن الرئيس يحكم ولا يحاكَم.. والأهم من ذلك ان الجنرال عون هو الذي لا يزال يدير عائلته وتياره وبيئته، وليس العكس. هو لم يكن متفرجاً ولن يكون. لم يكن متقاعداً ولن يكون. ولن يقعد في قصر بعبدا بانتظار تسليم أمانته. والادلة حاضرة كل يوم، سواء في فترة السماح الاولى التي كانت زاخرة بالاحتفالات، او في فترة الحكم المقبلة، المحددة مبدئياً بأقل من اربع سنوات.
أنه عهد الرئيس ميشال عون، الذي يمكن الاختلاف على موعد بدايته ونهايته، لكن لا يمكن الاختلاف على أنه مسؤول عن ضياع عامين ونيف من عمر البلد، في سياسات غير مجدية، لم تحقق مكسباً واحداً، وصراعات غير مأمونة، وضعت العلاقات بين الطوائف على حافة المواجهة، وبرامج دفعت الدولة الى حافة الانهيار الذي لم يسبق له مثيل حتى في ذروة الحرب الاهلية. خطأ فادح، بل قاتل، الزعم ان السبب هو تهور أو طيش الاصهرة والأقارب والتياريين. فهولاء جميعاً ليسوا على مستوى خبرة وكفاءة وتجربة الرئيس شخصيا في خوض معارك سياسية وشخصية بعضها يرقى الى السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، قبل أن يولد الكثيرون من المحيطين بالرئيس اليوم.
المسؤولية تقع في مكان واحد. والحساب أيضاً.