في ظل التحولات الكبيرة التي تعيشها بلادنا، برزت أولويات جديدة ضمن سياسات وخطط الجهات الحكومية تتطلب الالتزام ببرامج تنفيذية مجدولة كي تقدم خدمات وتنفذ مشاريع بمستوى أفضل وضمن السقف الزمني المحدد، مما ينعكس على فاعلية هذه الأجهزة والإدارات وتطوير أدائها بما يخدم حاجات وتطلعات المواطن.
وبرز ضمن هذه التحولات الاتجاه لفرض رسوم جديدة ومتعددة من قبل الإدارات المختلفة ودفعها للإستثمار وتحصيل ايرادات متنوعة بهدف تنويع مصادر موارد هذه الجهات بدلاً من اعتمادها فقط على الميزانية العمومية، وتشجيعها أن تكون منتجة ومساهمة في حركة الاقتصاد، وهو في حد ذاته توجه سليم ومعمول به في مختلف دول العالم، مع تلازمه بتقديم خدمات تحسينية وتطويرية تشاركية.
نتج عن ذلك أن الكثير من هذه الجهات بدأت تتنافس في الإكثار من فرضِ رسوم وضرائب متنوعة بحيث تحول بعضها إلى مراكز جباية للرسوم والغرامات، وهيأت فرق عمل متكاملة للمتابعة والتحصيل، بصورة افقدتها أولوياتها المسؤولة عنها وهي تقديم الخدمات للمواطنين، فبعض الإدارات استحدثت رسوماً جديدة على خدماتها لم تكن موجودة سابقاً، والبعض الآخر رفع الرسوم أضعافاً مضاعفة دون أي مبرر يُذكر.
هناك إبداع وتطور ملحوظ في سبل ووسائل الإدارات في جمع وتحصيل الضرائب والرسوم والغرامات بصورة ملفتة، يتمنى المرء أن يجدها في بقية الإدارات والأقسام المعنية بالخدمات من ناحية الجدية والتدقيق في المتابعة والرصد، لو تمكنت هذه الإدارات من استخدام ذات الأسلوب التحصيلي المحفز لمتابعة مشاريعها ودقة تنفيذها وتطويرها لكانت حققت انجازات كبيرة وملموسة وملحوظة.
لم يرافق هذا التحول الضريبي أي تحسن في تقديم خدمات إضافية أو جديدة للمستفيد النهائي وهو المواطن أو المستثمر، وهذا لب الموضوع، فالمفروض أن تقوم هذه المؤسسات بوضع خطط لتطوير وتحسين خدماتها والقضاء على ما يعانيه المواطن والمستفيد من بيروقراطية فيها وتأخير للمعاملات وتطوير لوسائل العمل، بحيث تضيف لمهامها أعمالاً تحفز البيئة الاستثمارية وتدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
من اللازم أن تكون هناك آليات واضحة ومتجددة وإبداعية تتلازم مع هذه الإجراءات الجديدة للمساهمة في إيجاد بيئة لهذه القطاعات، ومن بين ذلك تطوير سبل التواصل مع المستفيدين واشراكهم في وضع الخطط والتصورات المستقبلية للعمل والمشاريع، الإسراع بتنفيذ الأعمال والمشاريع وبجودة أفضل، عقد لقاءات مشتركة مع دافعي الرسوم والضرائب لشرح وتوضيح الخطط الحالية والمستقبلية، وتطوير وسائل التواصل معهم، وتحديد المشاكل الخدمية القائمة ومعالجتها.
مع كل هذه التحولات الكبرى، فإنه أصبح لزاماً على مختلف الإدارات أن تواكب كل هذه التغيرات وتتجه نحو تفعيل دورها، والخروج من دائرة “البيروقراطية” العتيقة إلى الفاعلية المتجددة وإشراك جميع الفاعلين في القطاع الخاص بصورة أكثر اتساعاً وجدية.