كثيرة ومختلفة هي الاعتبارات التي تُملي عليه هذا الخطاب الهادئ بعد جولات من «الاقتتال» بـ«الأسلحة البيضاء»، والتي لم توفّر متفاهمين أو متخاصمين، انطلقت أولى شرارتها مع بَدء الحملات الانتخابية واستمرت خلال «الماراتون» الحكومي، وإن بوتيرةٍ أقل.
يستعدّ العونيون لمرحلة جديدة في عهد مؤسّس تيارهم، فيها من التحديات ما يكفي لوصفها أنها وجودية، فإما تُعيد إليهم زخم الماضي و»مجده»، وإما تسلبهم كل أحلامهم وتطلّعات جمهورهم.
بهذا المعنى رفع العونيون سقفَ أهدافهم المفترَض تحقيقُها بـ»معيّة» حكومة العهد الأولى والأخيرة. فإمّا تكون ممرُّهم إلى الإنجازات التي تعيد بعض الثقة إلى الناس، وإمّا إلى حافة هاويتهم إذا ما فشلوا في تلبية طموحات اللبنانيين، وهؤلاء يقفون أصلاً على «الشِوار».
ولهذا سارع باسيل إلى «استثمار» إنجاز ولادة الحكومة، على أنه انتصار لـ»التيار الوطني الحر»، نظراً لحاجته الماسّة إلى كل «نقطة» تُقدِّمه على سواه في معارك المزاحمة على الشارع المسيحي.
وأصرّ باسيل على عقد مؤتمره الصحافي في حضور باقة وزرائه الأحد عشر، وليس الثمانية، لدحض الأقاويل حول وضعيّة الوزير حسن مراد خصوصاً.
يتصرّف رئيس تكتل «لبنان القوي» على أنّ في جيبه «ثلثاً ونصفاً»، ملمّحاً إلى شراكته مع تيار «المستقبل» في الوزيرة فيوليت الصفدي التي قد يتقاطع معها في بعض الحالات، كما يعتقد أنه سيفعل مع ممثل «اللقاء التشاوري» في بعض الملفّات الحيوية.
هذا من وجهة نظر باسيل. لكنّ لشركائه في الوزير مراد، وجهة نظر مختلفة.
تقول أوساط مطلعة على موقف «حزب الله» إنّ الحكومة ما كانت لتؤلّف لولا اقتناع رئيس تكتل «لبنان القوي» بإنّ استحواذَه على 11 وزيراً أمرٌ مستحيل التحقيق، ولذا ارتضى في نهاية المطاف الحصول على حصة «العشرة والنصف».
وتشير هذه الأوساط إلى أنّ التطورات أثبتت أنّ عقدة التأليف كانت محلية بامتياز، لا تداخلَ إقليمياً فيها، لا من ناحية الضغوط الأميركية ولا من ناحية المصالح الإيرانية في لبنان. هي فقط إشكالية تمثيل ستة نواب، أصرّ «حزب الله» على احترام حيثيّتهم وحقهم في الوجود على طاولة مجلس الوزراء.
ويؤكد المطلعون أنّ «الثلثَ المُعطِّل» لم يُطرح يوماً على طاولة هواجس أو اهتمامات «حزب الله» الذي لم يكن مقتنعاً بأنّ باسيل في حاجة إلى وزير، طالما لديه رئيس الجمهورية و«الحزب» إلى جانبه. وقد قيل لباسيل أكثر من مرة، «حصّل ما تريد من وزراء، من حصة «المستقبل» أو «القوات» أو «الاشتراكي»، لكنّ تمثيل النواب السنّة خط أحمر لا نقبل تجاوزه».
ولهذا فوجئ «حزب الله»، بإنتهاء التسوية لمصلحة حسن مراد خياراً لباسيل، الذي هو في نهاية المطاف نجل عبد الرحيم مراد. كان الاعتقاد سائداً أنّ وزير الخارجية سيطرح نماذج تشبه جواد عدرا أو حتى فادي عسلي.
الاعتقاد هو أنّ رئيس تكتل «لبنان القوي» يجهّز هذه الورقة لمرحلة الشغور الرئاسي، إذا حصل، لتقوية موقعه التفاوضي في معركته الرئاسية، ولذا عاند حتى اللحظة الأخيرة لتأمينها... ولو أنّه صار معروفاً أنّ حقبة الشغور ستفرض قواعد مختلفة، سيكون أوّل اعتباراتها، مصير تكتل «لبنان القوي»، حيث قد يصير التفاوض مع باسيل في كونه رئيساً لـ«التيار الوطني الحر» لا أكثر.
ولهذا يتصرف «حزب الله» بكثير من الهدوء وبرودة الأعصاب مع حالة «التناتش» الحاصلة بين حلفائه حول تموضع حسن مراد في مجلس الوزراء، ولو أنّ هناك مَن يتحدث عن اتفاق مسبَق عقده باسيل مع الوافد الجديد، لتحديد خريطة طريق تصويته، كما سبق وحصل مع عدرا.
يقول المطلعون إن لا حاجة كثيراً للتدقيق في حقيبة مراد الديبلوماسية. فقراراتُ مجلس الوزراء الأساسية تُطبَخ خارج الحكومة، وفي حال وقوع التباين بين «حزب الله» وحلفائه، فهذا يستدرج خلافاً عامودياً، ليصير موقف وزير «بالناقص أو بالزايد»، مسألة تفصيلية.
وفي مطلق الحالات، «اللقاء التشاوري» تعهّد عدمَ التوصيت ضدّ رئيس الجمهورية، لينأى بوزيره بالـ«صمت».