لماذا اغتيل الكاتب الجريء
 

اُغتيل الروائي والباحث العراقي علاء مشذوب عبود، مساء السبت، على يد مُسلّحين مجهولين كانوا يستقلّون دراجة نارية، أردوه قتيلًا بـ 13 رصاصة، في شارع رئيسي وسط مدينة كربلاء إلى الجنوب من العاصمة بغداد.

وذكرت تقارير محلية أن الاغتيال جرى أثناء توجّه مشذوب (51 عامًا) إلى منزله بالقرب من مركز المدينة القديمة، بعد لقاء أجراه مع عدد من الأدباء والصحفيين في ملتقى أدبي.

وكتب مشذوب في آخر منشوراته على حسابه الرسمي عبر فيسبوك: "اقتحم شحاذ جلستهم، فارتسم على وجوههم الضجر، شحاذ ممل، رث الثياب، يكرر عباراته، ورحت أتفكر بها، وقلت في نفسي، الأديب لا يكرر نفسه في نصوصه كي لا تفقد كلماته سحرها وتأثيرها ومعناها، ولذلك هو مبدع، أما الشحاذ فلا يفقه هذا السر، لذلك هو يكرر كلماته أو عباراته الممجوجة، كلمات ميتة لا حياة فيها أو موسيقى، وظنه أنه يستدر عطف الناس بهذا التكرار".

وتابع: "الشحاذ يمتلك ذاكرة سيئة حينما يكرر دعاءه ومكانه وملابسه الرثة، لأنه يعيش قلق المحصول الآني، بينما المعطي يعيش قلق التحصيل من وراء عطائه. إن الخطاب المرسل من الشحاذ مثل الإعلان التلفزيوني أصفر الجوهر لكثرة تكراره، بعضهم يعطيه تجنبًا للحرج، وبعضهم يعطيه كي يغرب عن وجهه، وقليل منهم من يعدها صدقة تضاعف له في الغيب. فقد مد الحاج مهدي يده في جيبه لينفحه بورقة نقدية من فئة الألف دينار ليتم حديثه، بعد أن شعر باهتمام المحيطين به".

كان مشذوب عضوًا بنقابة الفنانين العراقيين، ونقابة الصحفيين العراقيين، والاتحاد العام للأدباء والكُتّاب فى العراق، وجمعية السلم والتضامن.

تخرّج مشذوب من كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد عام 1993. ونال في 2014 درجة الدكتوراه في الفنون الجميلة بعد حصوله على الماجستير عام 2009. وكتب بحوثًا ودراسات عِدة في مجال اختصاصه.

بدأ مشذوب الكتابة منذ نعومة أظافره، إذ كان يُراسل عددًا من الصحف العراقية، بينها "الراصد، الصباح، الزمان، المدى، الصباح الجديد، الاتحاد". وعُرِف بكتاباته الجريئة التي لم يخشَ خلالها إسقاط التابوهات السياسية والدينية.

أصدر أول كتبه عام 2008 بعنوان "الوطن والوطنية"،بعدها توالت مجاميعه القصصية "ربما أعود إليك" عام 2010، و"الحنين إلى الغربة" عام 2011، و"زقاق الأرامل" عام 2012، و"خليط متجانس" عام 2013، و"لوحات متصوفة" عام 2013.

أصدر ما يقرب من 10 روايات في فترة زمنية وجيزة أثارت ذهول الوسط الثقافي؛ بدأها عام 2014 بروايتيّ "مدن الهلاك ـ الشاهدان" و"فوضى الوطن"، ثم "جريمة في الفيس بوك" عام 2015، و"أدم سامي ـ مور" عام 2015، و"انتهازيون … ولكن" عام 2016، و"حمام اليهودي" عام 2017، و"شيخوخة بغداد" عام 2017.

عُرِف بحبه للوطن ومُناهضته للطائفية. وفي حوار صحفي سابق، قال مشذوب: "للوطن مفاهيم سيالة تتغير، بتغير الأوضاع السياسية والاقتصادية، من قبل كان هو عبارة عن رقعة جغرافية وناس وجيش.. وبعدها كان المقدسات وتاريخ الأجداد والحضارة من الآثار والتراث، هو نبع الذكريات والتفاصيل الصغيرة.. ولكني أعتقد اليوم أنه مجموعة من الحقوق والواجبات".

يأتي اغتيال المشذوب ضمن سلسلة اغتيالات شهدها العراق خلال العامين الماضيين، واستهدفت الطبقة المثقفة، وعاملين في مراكز تجميل، من دون أن تتمكن القوات العراقية من القبض على القتلة حتى الآن.

قبل عامين، اغتال مسلحون مجهولون الفنان العراقي كرار النوشي، ثم اغتيلت صاحبتا مركز تجميل في العاصمة بغداد العام الماضي، إلى جانب عارضة الأزياء العراقية تارة الفارس.

وصدم اغتيال مشذوب الأوساط الثقافية والشعبية بالعراق، مُطالبين بعدم تسويف التحقيقات الجارية. قال عنه صديق مدينته، حميد مهدي النجار، إنه "كان يتمتّع بطاقة عالية على الكتابة والكتابة الإبداعية"، مُشيرًا إلى أنه أصدر قبل اسبوعين كتابًا أسماه "الرصيف الثقافي"، وجرى حفل توقيعه على الرصيف، في سابقة لم تحدث من قبل.

أعلنت شرطة محافظة كربلاء فتحها تحقيقًا عاجلًا بمقتل مشذوب، مؤكّدة في بيان أن "عددًا من المحققين اتجهوا بعد الحادث لجمع المعلومات الاستخبارية الأولية للوصول إلى الجناة وتقديمهم إلى العدالة".

وأضافت أنها "ستكشف عن تفاصيل هذه الجريمة النكراء وستضرب بيد من حديد كل من تسوّل له نفسه الاعتداء على أهلها وزائريها والعبث بأمنها واستقرارها".