تراجُع تيّار المستقبل السريع من موقع وطني متقدم الى موقع طائفي مطعون فيه لحيازة آخرين على تمثيل و تأييد سني واعتراف أعداء المستقبل بضرورة تمثيلهم في حكومة الرئيس الحريري وخضوعه لأمر التمثيل شكّك في حصرية التمثيل السني من قبل تيّار المستقبل الذي بات معانياً من أزمتين قلّصت من حجم دوره الوطني.
أولاّ: ومن حجم تمثيله الطائفي.
ثانياَ: بعد تراجع طوعي أو قسري عن سياساته التي أكلت من رصيده السياسي فبات شريكاً ملحقاً بعد أن كان فريقاً مُتبعاً نتيجة سيطرة المستقبل على الحياة السياسية كتيّار وطني وكتيّار طليعي في جبهة 14 آذار.
كان يمسك المستقبل بحصص نيابية ووزارية متعددة الاتجاهات والطوائف متجاوزاً في ذلك كل الأحزاب اللبنانية المقفلة على تمثيلها الطائفي، وان كان هناك هوامش مفتوحة لبعض الجهات الطائفية كيّ تأكل من كتف غير طائفتها الاّ انها لم تكن منتشرة بقوّة داخل الطوائف الأخرى باستثناء تيّار المستقبل الذي لم ينكمش داخل الطائفة بل امتدت يداه الى كل الطوائف فكان يحظى برصيد سياسي وانتخابي من كل الطوائف وكانت كتلة المستقبل النيابية تضم نواباً من كافة الطوائف وكان وزراء المستقبل من كل الطوائف.
إقرأ أيضًا: العرب كبوا اسرائيل بالبحر والايرانيون دمروها بزلزال 1 ورعد 2
وهذا ما جعل من تيّار الرئيس الشهيد رفيق الحريري تيّاراً يتسع للجميع بغض النظر عن هويتهم الطائفية.
هذا التراجع المتعدد الأسباب جعل من تيّار المستقبل أسير سياسات الالتزام بقواعد اللعبة في لبنان و القائمة على السمع و الطاعة لولي الأمر أي للقوة التي تحكم وتدير شؤون البلاد و العباد دون أن يكون لأحد القدرة على الخروج عن سياسات الالتزام بضرورات المرحلة والاّ أصبح خارج اللعبة وبات خارج السلطة وهذا ما لا تطيقه أحزاب السلطة كونها لا تتحمل بُعداً عن السلطة فتخسر ما تعطيه من مجد معنوي ومادي.
ويبدو أن تيّار المستقبل بلا رئاسة الوزراء يصبح بلا وزن وبالتالي يفسح المجال أمام منتسبين جُدُد لنادي رئاسة الحكومة من خارج فريق المستقبل وهذا ما يجعل من المستقبل طرفاً غير حصري لطائفته وأقل شأناً لأن موقع رئاسة الحكومة هو الذي يعطي شرعية التمثيل السني لأي فريق أو تيّار داخل الطائفة.
إقرأ أيضًا: نواب بلا رواتب ووزراء للخدمة العامة
في الحكومة الحالية اتضح أكثر وهن تيّار المستقبل فانتقل من حصة وزارية كبيرة الى حصة وزارية صغيرة ومن أكثرية وزارية الى أقلية وزارية وهذا ما يأكل من صلاحيات رئاسة الحكومة اذ تصبح الأكثرية الوزارية هي المتحكمة بالصلاحيات التي يتمتع بها رئيس الحكومة ومن بينها حلّ الحكومة وهذا بحدّ ذاته نيل من جوهر اتفاق الطائف الذي منح رئيس الحكومة صلاحيات يفرط بها صاحب هذه الصلاحيات وما يُشجع على ذلك بُدعة الثُلث المعطل.
ان اعتماد المستقبل على تأييد المملكة العربية له وعلى ضرورة التعاون معه من قبل فريق 8 آذار كونه التيّار المعتدل والوسطي لا يكفي كيّ يستمر خاصة وأن تفاقم أزمة المستقبل داخل الطائفة السنية بدأت تتفاقم وهي تنذر بانفجارات كبيرة من شأنها أن تعيد ترتيب الساحة السنية وفق خيارات أخرى.
وما تراجع المستقبل انتخابياً الاَ مؤشر ذو بُعد يحذّر من تنامي مؤشرات استبعاد المستقبل عن موقعه الأول لصالح أطراف أخرى ومن بينها أطراف تابعة للنظام السوري الذي يتهيأ للدخول الى لبنان بشراهة أكبر وبشراسة أكثر.