أخيراً وبعد جهد جهيد واضاعة الوقت في سجالات ومماحكات على مدى ثمانية أشهر ونيف، أبصرت الحكومة، في ليلة ما فيها ضو قمر، وتحقق ما كان في نظر البعض شبه مستحيل، والأنظار تتجه إلى الخارج تنتظر الضوء الأخضر الإقليمي والدولي؟!
وكما كان متوقعاً، لم تمر ساعات على إعلان ولادة الحكومة بعد أشهر من الابتزاز والضغوط، حتى بدأت التساؤلات عن الرابحين والخاسرين بين اللاعبين المحليين، ولكن بغض النظر عما إذا كان الرئيس الحريري قد تعمّد ما فهمه كثيرون من كلامه عن أن الحكومة تعبّر عن نتيجة انتخابات 2019 أم لا فهذا الكلام صحيح مائة في المائة.
إنها تعبّر عن ميزان قوى مختلّ تماماً استفاد من انتخابات عامة أجريت وفق التمثيل النسبي في ظل احتفاظ فئة من اللبنانيين بسلاحها الثقيل، وعليه، كان بدهياً أن تنتهي الانتخابات بنتيجة غالب ومغلوب، بعدما أقفل الفريق المسلح مناطقه في وجه منافسيه بينما تمكن من اختراق مناطق خصومه واصطنع لنفسه فيها توابع تأتمر برغباته وتسير وفق تعليماته.
إقرأ أيضًا: فرنسا تحذر... والحريري إلى الحسم
فمن خلال القراءة ذات الأبعاد الإقليمية والدولية، أن إيران أفرجت عن تأليف حكومة لبنان بعد تسعة أشهر من تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيلها كـبادرة حسن نيّة تجاه الشركاء الأوروبيين على أبواب استحقاقين: الأول يتمثل بإطلاق آلية أوروبية خاصة للتعامل التجاري مع إيران باستخدام عملة غير الدولار، في خطوة التفافية على العقوبات الأميركية على طهران، فيما يرتبط الثاني بـمؤتمر وارسو حول الشرق الأوسط الذي دعت إليه الولايات المتحدة، والمزمع عقده وفق وزير خارجيتها مايك بومبيو، في الثالث عشر من شباط الجاري.
دخلنا اليوم في شهر شباط، الشهر الثاني من السنة، هذاالشهر الذي يحفل بسلسلة من الاستحقاقات والمحطات والذكريات الى درجة انه يضيق، بأيامه القليلة، بمحطاته الكثيرة ومن استحقاقات شباط.
الملاحظ أن الأميركيين يواصلون ضغوطهم في ما يتعلق بالوضع اللبناني في بيروت مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة تمويل الارهاب "مارشال بيلينغسلي" وفي صلب نقاشاته مع المسؤولين اللبنانيين التأكيد على حرص الولايات المتحدة الأميركية على التعاون مع المؤسسات المالية والمصرفية للدولة اللبنانية والمصارف.
وتأتي زيارة مارشال بيلينغسلي بعد أسبوع على زيارة وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل"، ما يعني ان واشنطن مهتمة جداً بالوضع اللبناني لناحية موقف الحكومة وتوجهاتها، ويأتي كل ذلك قبل استحقاق مؤتمر وارسو الذي دعت اليه الولايات المتحدة الأميركية لبحث مستقبل ايران في المنطقة فخلال أسبوعين، توالت الرسائل الأميركية في شأن تشكيل الحكومة والحقائب التي سيتولاها حزب الله، والنصائح التحذيرية بعدم الدخول إلى سوق إعمار سوريا. حرص الأميركيون على إيصال رسائلهم بوضوح وعلانية، وما لم يقولوه علانية، عملوا على تسريبه مواربة كي يكون معروفاً.
إقرأ أيضًا: لقاءات باريس لم تنتج شيئًا والأزمة إلى مزيد من التعقيد!
وبعد أقل من أسبوعين على هذا الكلام الواضح، بما في ذلك عدم ممانعة تعويم حكومة تصريف الأعمال،شكل الرئيس سعد الحريري حكومته الثانية في عهد الرئيس ميشال عون. المشكلة تقع على عاتق الحريري، وهي بدأت تطرح تساؤلات في السلك الديبلوماسي الغربي، عن إدارة لبنان أيّ ملف مستجد له علاقة بالجنوب وبالقرار 1701، ولا سيما أن خطاب حزب الله في ما خصّ الإنفاق قد لا يتوافق مع خطاب لبنان الرسمي عند أيّ منعطف تضطر فيه حكومة لبنان إلى مواجهة المجتمع الدولي في شأن الجنوب وأي اعتداء إسرائيلي.
ويضاف إلى ذلك مشكلة أساسية تتعلق بالعلاقة مع سوريا من دون أن ننسى أيضاً ما يتعلق بملفي العقوبات المالية والاقتصادية على الحزب وإيران وسوريا، وهي عقوبات بدأت تأخذ منحىً تصاعدياً، وقد يمسّ لبنان بطريقة مباشرة، فضلاً عن التلويح بصدور قرارات عن المحكمة الدولية. وهنا يمكن التساؤل حقيقة عن كيفية مقاربة الحريري والحكومة للمرحلة المقبلة، وأي خريطة طريق ستعتمدها في مواجهة تلك الاستحقاقات.
التجربة علّمت في لبنان أن فرنسا ليست الحامية، والاتكاء على دور فرنسي لمواجهة أيّ تحديات أميركية مقبلة، لا يمكن الاعتماد عليها عملياً.
فـسيدر ومقرراته وأمواله تصبح في خبر كان عند أيّ مواجهة على مستوى كباش أميركي إسرائيلي إيراني في المنطقة.