بدءاً من اليوم، تدخل الحكومة الجديدة، بعد الصورة التذكارية، وتشكيل لجنة صياغة للبيان الوزاري، في أولى جلساتها التي تعقدها في قصر بعبدا، في مرحلة الرصد، وربما المحاسبة، وحتى المشاغبة..
عكس تأليف الحكومة ارتياحاً، وفي الوقت نفسه، عكس انكشاحاً في المواقف، وراح الوزراء يبحثون عن يوم جديد، فيما توارى المستوزرون، وراء خشبة المسرح، ايذاناً بانتهاء مرحلة القنص والترقب، وقراءة الخط..
ومهما يكن، صار بالإمكان، توقع إقرار سريع للبيان الوزاري، من باب الصيغة الراهنة، وبات من المتوقع تشريع الانفاق، بانتظار إقرار الموازنة في المجلس النيابي، لتصبح نافذة، ثم توقع إقرار التعيينات في المجلس العسكري، الذي بدأ أول شغور فيه اليوم، فضلاً عن إعادة تشكيل مجلس الجامعة، الذي يعمل، خلافاً لما هو منتظر، في وقت تواجه فيه الجامعة جملة استحقاقات، تتطلب قراراً جريئاً، بإعادة ترشيح عمداء، بعدما مضى على المرشحين ما لا يقل عن بضعة أشهر.
وبانتظار إكمال المجلس الدستوري دورة طعونه الحالية، يتعين إعادة تسمية وانتخاب أعضاء جدد في المجلس، ليتسنى له القيام بدوره.
كل ذلك، في لعبة استثمار «سيدر» وأمواله المرصودة (11 مليار) دولار، والتي تشترط «إدارة شفافة»، وقوانين محترمة.
في اللحظة هذه، ومع عودة الفكرة، استبق البنك الدولي، البيان الوزاري، والتحرك بإتجاه «سيدر» وأعلن في موقف له انه يتعين على الحكومة الجديدة ان تعطي الأولوية لإصلاح قطاع الكهرباء، بعد ان قضت أشهراً في خلافات بشأن تشكيل مجلس الوزراء.. وان تسعى إلى معالجة الانقطاعات اليومية للتيار الكهربائي وما تتحمله الدولة من تكاليف ضخمة.
وقال فيليب لازاريني المنسق المقيم للأمم المتحدة في لبنان إنه يجب على حكومة الحريري أن تعطي أولوية للإصلاحات التي وعد بها لبنان في مؤتمر باريس العام الماضي حين قدم المانحون تعهدات بالدعم.
وأضاف قائلا «إحراز تقدم في مكافحة الفساد وإصلاح قطاع الكهرباء سيكونان ضروريان لاستعادة الثقة وإعادة تنشيط الاقتصاد وتعزيز النمو والاستقرار والتوظيف في الأجل الطويل».
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الخميس إن فرنسا «سترافق لبنان على مسار الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية» وخصوصا من خلال تنفيذ برنامج الاستثمار الذي جرى الاتفاق عليه في مؤتمر باريس.
وقال ساروج كومار جا المدير الإقليمي المعني بلبنان والعراق وسوريا والأردن وإيران في البنك الدولي إن الكهرباء «هي المجال الذي نريد التحرك فيه سريعا جدا» مع جلب البنك لتمويل بشروط ميسرة للمساعدة في الإصلاحات.
على ان الأبرز، ما كشفه نائب الناطق بلسان الخارجية الأميركية.
وقال جا إن مشكلات القطاع أبعدت المستثمرين وتسببت في «ضغط مالي هائل على الحكومة» التي تضخ مبالغ كبيرة في دعم الكهرباء التي توفرها الدولة.
وأضاف «سأوصي بقوة بأن يمنحوا أولوية للاهتمام بقطاع الطاقة»، قائلا إنه يعتقد أن هناك تفاهما في هذا الشأن داخل الائتلاف الحكومي الجديد.
لكن جيسون توفي كبير محللي الأسواق الناشئة لدى كابيتال ماركتس ومقرها لندن قال إنه متشكك في أن الحكومة الجديدة قد توافق على إصلاحات كبيرة لإطلاق الدعم المتعهد به.
وأضاف قائلا «من غير الواضح ما إذا كان بمقدورهم فعليا الاتفاق على هذه الإجراءات، لذا سيظل هناك بعض الدعم المقيد».
ويريد جا أن يمضي لبنان قدما في خطة تحويل مرفق كهرباء لبنان إلى شركة وأن يخفض الدعم الحكومي للكهرباء، وهو ما يوفر شبكة أمان للمستهلكين الأكثر فقرا.
وتحتاج الحكومة أيضا إلى ضمان قدرتها على اجتذاب المستثمرين لعملية التحول من الوقود الثقيل إلى الغاز الأرخص سعرا، والعمل على نقله وتوزيعه وهي مهمة مرهقة.
موديز: التحدي الكبير
وقالت امس وكالة موديز للتصنيف الائتماني إن الحكومة اللبنانية الجديدة ستواجه «تحديا كبيرا» في ما يتعلق بخفض مستويات الدين.
وقالت إليسا باريزي كابون المحللة لدى موديز في مذكرة «نتوقع أن تطبق الحكومة اللبنانية الجديدة بعض إجراءات التصحيح المالي بهدف إطلاق حزمة استثمارية قيمتها 11 مليار دولار أجلها خمس سنوات تعهد بها مانحون دوليون خلال المؤتمر الاقتصادي للتنمية من خلال الإصلاحات ومع الشركات (سيدر) الذي عُقد في باريس خلال نيسان أبريل 2018».
وأضافت «لكن، في ظل الضعف الشديد للنمو، فإن التصحيح المالي سيظل تحديا كبيرا للحكومة».
وقالت «طالما ظل نمو الودائع ضعيفا، ربما بسبب استمرار الضبابية بشأن قدرة الحكومة على تعزيز استقرار الاقتصاد الكلي، فإن الوضع المالي والمركز الخارجي للبنان سيظل من بين الأضعف في الدول التي نصنفها».
وتصنف موديز لبنان عند (Caa1)، وهو بمثابة تحذير من أن البلاد لديها مخاطر كبيرة فيما يخص الديون.
ووصفت واشنطن تأليف الحكومة، بالمناسبة التاريخية» مرحبة ومهنئة، معربة عن التطلع إلى التعاون مع الحكومة الجديدة.
وجاء في تصريح نائب الناطق باسم الخارجية الأميركية روبرت بلادينو، وزعته السفارة الأميركية في بيروت ان وزير الخارجية مايك بومبيو يتطلع إلى زيارة لبنان.
ومع ذلك، أضاف الناطق الأميركي فإننا نشعر بالقلق لكون حزب الله، الذي تصنفه الولايات المتحدة منظمة إرهابية أجنبية، سوف يستمر في تولي مناصب وزارية وقد أجيز له بتسمية وزير الصحة العامة. إننا ندعو الحكومة الجديدة الى ضمان ان لا توفر موارد هذه الوزارات وخدماتها دعما لحزب الله».
وبعد دعوة الحكومة اللبنانية إلى الالتزام بقرارات مجلس الأمن رقم 1559 و1701 قال الناطق «إننا نأمل أن تعمل جميع الأطراف في الحكومة الجديدة على الحفاظ على التزامات لبنان الدولية، وسياسة النأي بالنفس عن النزاعات الإقليمية، بما في ذلك تلك الواردة في قرارات مجلس الأمن الدولي رقم 1559 و1701. وفي هذا السياق، نحن نرحب بالبيانات الأخيرة للقادة اللبنانيين الذين أكدوا التزام قرار مجلس الأمن رقم 1701، ونثمِّن جهودهم الأخيرة لتجنب تصعيد التوترات على طول الخط الأزرق. نحن نأمل أن تقوم حكومة لبنان الجديدة بتدابير عاجلة لتنفيذ إجراءات جادة وضرورية من اجل تحسين الوضع الاقتصادي الصعب في لبنان».
وفيما لم يشر بيان قصر الاليزيه إلى الزيارة المقررة للرئيس ماكرون إلى لبنان، خلال الشهر الحالي، أعلنت سفارة إيطاليا في لبنان ان رئيس مجلس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي يعتزم زيارة بيروت في الأسبوع المقبل للقاء الرؤساء الثلاثة، في لحظة وصفها البيان «بالمهمة للغاية بالنسبة إلى مستقبل لبنان»، معتبرا تشكيل الحكومة «تطوراً ايجابياً طال انتظاره سيساهم في تعزيز استقرار لبنان ووحدته.
وكان ماكرون أصدر بياناً أكّد فيه الالتزام بسيادة واستقرار لبنان في وقت وصلت فيه رسائل دولية تتخوف من تداعيات إطالة أمد التأليف، مع التحذير من تفاقم الوضع إلى درجة خسارة أي منفذ للمساعدة، كان طبيعي الترحيب الدولي والعربي بتشكيل الحكومة، في وقت انتعشت فيه أسواق السندات المالية بـ «اليوروبوند» والتي سجلت ارتفاعاً بنسبة 2 في المائة في اليوم الثاني بعدما ارتفعت أمس الأوّل بنسبة 5 في المائة، بالتزامن مع معلومات عممتها محطة L.B.C بأن هناك توجهاً لدى دولتين خليجيتين لوضع وديعتين في مصرف لبنان، واحدة بقيمة مليار دولار والثانية أقل من ذلك بقليل، مما يُساعد في تعزيز الوضع الاقتصادي المتأزم.
البيان الوزاري
وقبل ان يتوجه إلى صيدا لرعاية حفل تكريم عمته النائب بهية الحريري لمناسبة منحها الميدالية الدولية للتميز في القيادة، عكف الرئيس الحريري مع فريق عمله ومستشاريه وعدد من وزرائه في «بيت الوسط» على درس الملفات التي تنتظر الحكومة الجديدة، والتحضير لجلسة مجلس الوزراء الأولى التي تعقد ظهر اليوم في قصر بعبدا والمخصصة لتشكيل لجنة صياغة البيان الوزاري بعد التقاط الصورة التذكارية، في حضور الرئيس نبيه برّي الذي كانت له أمس مواقف مهمة، من أبرزها غض النظر عن الجلسة التشريعية التي كان يعتزم الدعوة إليها، بعدما تبين انها لم تعد ثمة حاجة إليها بعد تشكيل الحكومة، موضحاً بأنها كانت «نوعاً من الضغط الإيجابي لتسريع التأليف».
وبحسب معلومات «اللواء» فإن الرئيس الحريري سينتقل بعد انتهاء جلسة بعبدا إلى مكتبه في السراي الحكومي، حيث سيقام له استقبال رسمي، ويستهل نشاطه بترؤس أول اجتماع للجنة صياغة البيان الوزاري، والتي يفترض ان تضم عدداً من الوزراء ممثلي القوى السياسية المشاركة في الحكومة، وحيث من المقرر ان تنكب اللجنة خلال جلسات متعاقبة لإنجاز مشروع البيان الذي سيرفع إلى مجلس الوزراء لاقراره قبل احالته إلى المجلس النيابي لمناقشته ونيل الحكومة الثقة على أساسه.
وفي هذا السياق، توقع الرئيس برّي ان لا تأخذ صياغة البيان أكثر من أسبوع، وانه سيدعو على الفور إلى عقد جلسة الثقة.
ولم يخف الرئيس برّي امام زواره في عين التينة فرحته بتأليف الحكومة، لافتاً إلى ان الوزارة الجديدة تضم أسماء تتمتع بالثقة والسمعة الجديد، مشددا على انه لا يوجد في الحكومة ثلث معطّل، ولا أحد يملك 11 وزيراً، في ما يشبه الرد على ما أعلنه رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، مؤكداً ان العقبات التي اخرت ولادة الحكومة كانت داخلية، ولم يتغيّر فيه شيء منذ المشاورات الأولى للتكليف، كاشفاً في هذا المجال، انه أبلغ مساعد وزير الخزانة الأميركية الذي زاره قبل يومين بأننا امام تأليف حكومة، لكن المسؤول الأميركي شكك في قدرة لبنان على ذلك.
علماً ان المثير للريبة والاهتمام في وقت واحد ما وصفته O.T.V بـ«مبادرة التيار الوطني الحر إلى الإعلان بأن استقالات وزارية موضوعة في عهدة قيادته التي في حال حدوث تقصير، معلنين في الوقت عينه العزم على تحقيق النقلة النوعية الموعودة في وزاراتهم، ومن ضمن مجلس الوزراء إذا صفت نيات الآخرين، في وقت قصير.
ويتقاطع مع هذا الموقف على نحو مغاير رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، الذي لا يُبدي ارتياحاً كافياً لوضعية التأليف، وتموضع الوزراء والذي انتقد ابتعاده بتأليف الحكومة عازياً ذلك إلى «انني لم اعلم بخفايا باريس 2» رافضاً أي «خصخصة متوحشة».
إلى ذلك، توقعت مصادر نيابية في كتلة «المستقبل» لـ«اللواء» ان يتم التوافق بشكل سريع على البيان الوزاري من قِبل لجنة الصياغة، خصوصاً وان الخطوط العريضة للبيان مرسومة، وستكون من فحوى بيان حكومة «استعادة الثقة»، لا سيما بالنسبة إلى المقاومة والعلاقة مع سوريا، مشيرة إلى ان البيان سيتضمن فقرات جديدة تتعلق بالتزام لبنان القيام بالاصلاحات الاقتصادية المرتبطة بتنفيذ مقررات مؤتمر «سيدر» وتنفيذ الخطة التي وضعتها شركة «ماكينزي» الأميركية لتعزيز النمو الاقتصادي.
ولفتت إلى انه في موضوع إصلاحات «سيدر»، ثمة نقطة قد تفتح نقاشا، خاصة وان «حزب الله» يرفض أية إصلاحات تأتي على شكل املاءات من الخارج، وكذلك الأمر بالنسبة إلى موضوع النازحين السوريين، حيث الانقسام لم يحسم بعد، بالنسبة إلى مبدأ العودة الآمنة أو العودة الطوعية. ناهيك عن مسألة العلاقة مع سوريا، لكن أوساط «المستقبل» أكدت ان هذا الموضوع مرتبط بقرارات الجامعة العربية التي يلتزم بها لبنان.
وبالنسبة إلى الحكومة ككل، اعتبرت مصادر «المستقبل» الحكومة بأنها أفضل ما يُمكن في هذه المرحلة التي رافقها الكثير من العقد، مشددة على انها «حكومة الوفاق الوطني» التي كان يطمح إليها الرئيس الحريري منذ اليوم الأوّل لتكليفه، وهي حكومة «لا غالب ولا مغلوب» ولا يملك أحد فيها الثلث المعطل، مشيرة إلى انه من غير الصحيح ان حصة رئيس الجمهورية مع «التيار الحر» هي 11 وزيراً، معتبرة بانها حكومة الثلاث عشرات، لافتة إلى ان ممثّل «اللقاء التشاوري» للنواب السُنة المستقلين الوزير حسن عبد الرحيم مراد هو أقرب للفريق الشيعي وتحديداً لـ «حزب الله» من فريق عون- باسيل، وان الصيغة التي أسفرت عن وجود مراد واضحة المعالم والتفاصيل، خصوصاً وانه أعلن انه صوته سيكون للاتجاه الذي يريده الحزب.
اللقاء التشاوري
يذكر ان «اللقاء التشاوري» اجتمع أمس في دارة الرئيس الراحل عمر كرامي، في حضور أعضائه بالإضافة إلى الوزير الجديد مراد الذي أعلن، وفق ما جاء في البيان الذي اذاعه النائب فيصل كرامي انه «ممثل حصري للقاء في الحكومة ويحضر اجتماعاته ويصوت بناء على قرار أعضائه، ويلتزم بالتوجهات السياسية للقاء في كل الملفات المطروحة، سواء في السياسة العامة أو على طاولة مجلس الوزراء.
ولفت كرامي إلى انه «باعتبار ان الوزير مراد هو من الحصة السنَّية وبناء على المبادلة بين رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية، يكون من المنطقي ان يتعاون مراد مع الرئيس عون ويشارك في اجتماعات تكتل «لبنان القوي» على ان يبقى مراد ممثلاً للقاء التشاوري».
وهذا يعني في نظر مصادر نيابية ان يضع مراد رجلاً في البور ورجلاً في الفلاحة، في صيغة ملتبسة، كانت قد اطاحت بتسمية جواد عدرة ممثلا للقاء، قبل نحو شهرين، وهو أمر سيفتح الباب واسعا امام سيل من التساؤلات عن تموضع هذا الوزير، بعدما قالها الوزير باسيل عن ان لديه 11 وزيراً.