نفّذ الرئيس المُكلّف سعد الحريري وعده بالحسم أمس بمساعدة الرئيس ميشال عون والوزير جبران باسيل و”حزب الله”، الذي صار ومن زمان الجهة اللبنانيّة الوحيدة القادرة بوسائلها الذاتيّة على الرفض والقبول، والوحيدة الحاصلة على دعم مُتنوّع ومُطلق من دولة إقليميّة مُهمّة وصاحبة مشروع هي الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة.
وقد تمنّى اللبنانيّون كلّهم ذلك لاعتبارات متنوّعة وقد تحقّقت. لكن رغم ذلك لا بُدّ من التطرّق اليوم إلى جملة توقّعات ولكن ليس على طريقة المنجّمين، بل استناداً إلى معلومات ومُعطيات يمتلكها مُتابعون جديّون ومُطّلعون لهم وصول إلى معظم الفاعلين في البلاد. أوّلها أنّ الرئيس سعد الحريري لن يترك الرئيس عون والوزير باسيل. فالتسوية الرئاسيّة التي قام بها معهما قبل أكثر من سنتين ومن خلالهما ومباشرة أيضاً مع “حزب الله” وبعض 14 آذار مثل “القوّات اللبنانيّة”، والتي أوصلت عون إلى الرئاسة وأعادت الحريري إلى رئاسة الحكومة، وستُبقيه رئيساً للحكومة الثانية رغم التعثُّر المعروف، هذه التسوية مُستمرّة مع مفاعيلها كافّة. ودافعه شعوره بالامتنان لعون الذي وقف معه في محنته السعوديّة أيّام احتُجز فيها واضطرّ إلى تقديم استقالة تلفزيونيّة قسريّة منها، والذي عبّأ حلفاءه المحليّين من أجل إعادته إلى البلاد وترك الحريّة له لاحقاً كي يستقيل فعلاً إذا كان هذا ما يُريده أو البقاء، كما عبّأ العالم العربي والعالم الأوسع. فكان التحرّك الفاعل والمُجدي لرئيس فرنسا ماكرون ولوليّ عهد دولة الإمارات العربيّة المتّحدة الشيخ محمد بن زايد. وثاني التوقّعات أنّ الحريري لن يترك المملكة العربيّة السعوديّة أو يتخلّى عنها رغم تصرّفها السلبي معه ليس فقط عرفاناً بجميلها وبما قدّمت إلى أسرته التي أسّسها أعماليّاً وماليّاً وسياسيّاً والده الشهيد رفيق الحريري، بل أيضاً لأن ولاء شعبيّته و”شعبه” السُنّي لها لأسباب متنوّعة لا ضرورة لإعادة ذكرها. وهو يحتاج إلى تقويّتها وتقويته بكل الوسائل كي يستمرّ دوره السياسي الفاعل وكذلك دور “شعبه” الذي يُراوده شعور أنّه خاسر جرّاء التطوّرات الإقليميّة والدوليّة ولا سيّما منذ عام 2011. هذا فضلاً عن أنّه يخشى في حال إغضابها أو تكرار إغضابها أن تستهدفه مرّة ثانية وهو ليس في حاجة إلى ذلك. وثالث التوقّعات محاولة الحريري رصّ الصفوف السياسيّة والشعبيّة والحزبيّة التي توحّدت في ما سُمّي فريق 14 آذار بعد شهر من مقتل والده، وكان ذلك في شباط 2005. ولا شكّ في وجود من يُشجّعه ومن يُحمِّسه ومن يُحرّضه على تحقيق ذلك في المنطقة والعالم. ولا شك في أنّه يسمع من هؤلاء أن الوضع الإقليمي سيتغيّر لمصلحته ومصلحة حلفائه فيهما، وهذا أمر تقوم به أميركا بضغوطها الهائلة وعقوباتها على إيران وابنها “حزب الله”، وحليفتها إسرائيل بغاراتها الجويّة الصاروخيّة على الإثنين في سوريا، والهادفة كلّها إلى إخراج الأولى من شرق المتوسّط وإعادة الثاني إلى بلاده لبنان. وفي ذلك كلّه هناك دور ما لروسيا ينطلق أساساً من التزامها أمن إسرائيل الذي لا يتناقض مع إلتزامها مساعدة النظام السوري ورأسه الأسد. ورابع التوقّعات هو أن الحريري لن يتخلّى عن “حزب الله”. ولا يعني ذلك أنّه سينضمّ إليه أو إلى القاعدة الشعبيّة – السياسيّة – الحزبيّة السُنيّة التي يُؤسّس منذ ما قبل الانتخابات النيابيّة الأخيرة، بل أنّه سيحترم اتفاق التعامل معه الذي يفرضه الدور الواسع بل الأوّل لـ”الحزب” في البلاد والذي سُمّي في حينه اتفاق ربط نزاع. علماً أنّه قد يكون تطوّر إيجاباً لاحقاً لأن المصلحة الوطنيّة (استقرار أمني وسياسي واقتصادي) تقتضي ذلك. لكن ما فاجأ كثيرين من المُطّلعين الصفة التي أطلقها الحريري على رئيس الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة في الرسالة التي وجّهها إليه أخيراً طالباً تدخّله القوي للإفراج عن المواطن اللبناني وحامل الإقامة الدائمة الأميركيّة المسجون فيها منذ سنوات نزار زكّا. إذ توجّه إليه باعتباره “حجّة الإسلام والمسلمين”. طبعاً يعرف حلفاء إيران أن هذه صفته رسميّاً وهي ترد قبل “رئيس الجمهوريّة”. وهو يعرف ذلك لكنّه ربّما استعمل العبارة تحبّباً. في حين أن العالم كلّه يعرفه رئيساً للجمهوريّة و”شيخاً”. ولعلّ ما فاجأ حلفاء الحريري داخل لبنان وفي العالم العربي والعالم، استناداً إلى المُتابعين أنفسهم، كانت القمّة الاقتصاديّة العربيّة التي استضافها لبنان أخيراً. إذ كان في استطاعته طلب إرجائها ولا سيّما بعدما لمَسَ وقبل انعقادها أن مشاركة الملوك والرؤساء فيها ستكون ضعيفة، وبعدما بدأت إثارة موضوع عدم دعوة سوريا إليها في الإعلام من حلفائها اللبنانيّين، وكذلك موضوع عودة النازحين السوريّين إلى لبنان إلى بلادهم، ولكن وفق رؤية “محور الممانعة والمقاومة” المختلفة عن رؤية المجتمع الدولي وغالبيّة العالم العربي وقسمٌ من الشعب اللبناني. لكن رئيس لبنان كما رئيس حكومته ووزير خارجيّته رفضوا الإرجاء، وهذا مفهوم، لكنّهم رفضوا أيضاً التخلّي عن الإصرار على عودة سوريا إلى جامعة الدول العربيّة رغم ما أُبلغ إليهم من أن عودتها إلى شغل مقعدها فيها سيتناوله البحث في القمّة العربيّة العاديّة في تونس في شهر آذار المقبل. وعندما لمسوا وبقوّة هزال التمثيل في القمّة اندفع عون وباسيل في خطاب سياسي (سوريا – نازحون) “ممانع ومقاوم” تبنّاه الحريري فكان الغضب. وقد أسمع الشرق والغرب الرئيس المُكلّف كما رئيس الدولة ووزير الخارجيّة انتقادات كثيرة وتحذيرات ودعوة إلى التعقُّل والحكمة لأن المنطقة لا تزال على بركان قد يتجدَّد انفجارها وقد يكون المتأذّي الأكبر منه وطنهم لبنان.
ألا تنطوي التوقّعات على تناقضات؟