قطع الثلاثي الأوروبي (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) «أول خطوة» لحفظ الاتفاق النووي، بتأسيس الآلية الخاصة للتجارة مع طهران، لتفادي العقوبات الأميركية، وسط تحذير أميركي سريع للشركات الأوروبية من حرمانها من الوصول إلى شبكة المال الأميركية، فيما استبعد دبلوماسيون أوروبيون أن تتمخض الخطوة عن معاملات تجارية كبيرة، تطالب بها إيران لتحسين أوضاعها الاقتصادية المتأزمة منذ الانسحاب الأميركي.
وأصحبت الآلية رسمية أمس، بعد قراءة بيان في مؤتمر صحافي مشترك لوزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، هايكو ماس، وجان إيف لودريان، وجيرمي هانت، على هامش اجتماع وزراء خارجية الدول الأوروبية في بوخارست.
ودافع الوزراء الثلاثة عن الآلية الجديدة، قائلين إنها علامة على التزامهم بالاتفاق النووي لعام 2015 مع طهران. وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان للصحافيين بعد اجتماع لوزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في بوخارست: «إنه إجراء سياسي... إنه إشارة إلى حماية الشركات الأوروبية». وقال وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت إن الدول الثلاث تعمل عن كثب مع طهران لوضع اللمسات الأخيرة على ترتيبات للسماح بتجارة في المواد الإنسانية والمستحضرات الطبية والمنتجات الزراعية والمنتجات الاستهلاكية. وأضاف قائلا: «التسجيل خطوة كبيرة، لكن ما زال هناك كثير من العمل الذي يجب إنجازه».
وأعلن وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس تدشين البلدان الثلاثة آلية مالية لمساعدة الشركات الأوروبية ذات المصالح التجارية الشرعية في إيران على تجنب التعرض للعقوبات الأميركية.
وقال ماس، عقب اجتماع مع نظرائه الأوروبيين: «لم نتحدث فقط عن الحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران على قيد الحياة، لكننا الآن أحدثنا إمكانية لإجراء معاملات تجارية». وتابع: «هذا شرط مسبق لنا للوفاء بالالتزامات التي تعهدنا بها، من أجل مطالبة إيران بأنها لا تبدأ تخصيب اليورانيوم لأغراض عسكرية».
وتسمح الآلية التي يطلق عليها «كيان للأغراض الخاصة» بالتدفقات المالية في المجالات غير المستهدفة بالعقوبات الأميركية، ووفقاً لوكالة «أسوشيتد برس» فإن الآلية في المرحلة الأولى «ستركز على السلع التي لا تخضع حالياً للعقوبات الأميركية، مثل الأدوية والمستلزمات الطبية والمواد الغذائية والسلع الاستهلاكية».
وقبل بيان الدول الثلاث، قالت مصادر متطابقة إن الدول الثلاث التي ترعى المبادرة ستدعو دولاً أوروبية أخرى إلى استخدام هذه الهيئة. وترحب الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بالتزام إيران بالاتفاق النووي الموقع في 2015. لكن الأوروبيين قلقون من برنامج الصواريخ الباليستية البعيدة المدى، الذي تطوره إيران، ومن نشاطاتها في المنطقة، خصوصا في سوريا واليمن. وهم يدينون أيضاً الاعتداءات على المعارضة الإيرانية في أوروبا. وقال مصدر أوروبي إن الرسالة الموجهة إلى إيران تتسم بدرجة كافية من الحزم.
وأمضى الاتحاد الأوروبي شهوراً في إعداد النظام للإبقاء على الاتفاق النووي مع إيران، ومن غير المرجح أن يبدأ العمل به قبل عدة أشهر أخرى. وسيصادق الاتحاد الأوروبي على إنشاء الآلية، في إطار نص حول التزام إيران بالاتفاق النووي، أقره ممثلو الدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد الأربعاء في بروكسل. ووافقت إسبانيا وإيطاليا بعد تسوية الخلاف على النص الذي يفترض أن تصادق عليه العواصم رسمياً.
وتتحدى الخطوة تحذيرات سابقة للولايات المتحدة بشأن الالتفاف على العقوبات التي أعادها دونالد ترمب على طهران، بعدما قرر الانسحاب من الاتفاق النووي في بداية مايو (أيار) الماضي. وإلى جانب الخلاف حول الموقف من إيران فإن الآلية المالية تعد أول مؤسسة تدشنها أوروبا في سياق الحملة المالية لزيادة سيادتها الاقتصادية من الولايات المتحدة.
وجرى ابتكار الآلية التجارية الأوروبية الجديدة كوسيلة لمقايضة صادرات النفط والغاز الإيرانية مقابل مشتريات السلع الأوروبية. لكن الأوروبيين حالياً لا يشترون عملياً نفطاً من إيران. وسيخصص هذا الكيان بشكل أساسي للشركات الصغيرة والمتوسطة. ويبدو أن تلك الطموحات انحسرت، إذ قال دبلوماسيون إن استخدام الآلية قد يقتصر في الواقع على تجارة أصغر حجماً تسمح بها إدارة ترمب، كالمنتجات المستخدمة لأغراض إنسانية والأغذية، على سبيل المثال.
وأفادت وكالة «رويترز» بأن أداة دعم المبادلات التجارية، أو «إنست كتس»، مُسجلة في فرنسا وسيرأسها المصرفي الألماني بير فيشر المدير السابق لـ«كومرتس بنك». والقوى الأوروبية الثلاث هم المساهمون، ويأملون بانضمام دول أخرى في وقت لاحق، على الرغم من أن مسؤولاً ألمانياً كبيراً قال إن هذا لن يكون وشيكاً.
وتأخر تدشين الآلية لعدة شهور نظراً، لأن الدول المنخرطة كانت تسعى إلى تقليل خطر التعرض لعقوبات. ومن المفترض أن تُمول الآلية أولاً، من قبل الدول الثلاث في الاتحاد، الموقعة على الاتفاق النووي (فرنسا وألمانيا وبريطانيا).
وانسحب الشركات الأوروبية من عقود تجارية أبرمتها بعد رفع العقوبات الدولية عن إيران عقب التوصل للاتفاق النووي، في يوليو (تموز) 2015، خشية العقوبات الأميركية.
وهددت إيران بالانسحاب من الاتفاق ما لم تتح القوى الأوروبية لها بالحصول على منافع اقتصادية. وتعهد الأوروبيون بمساعدة الشركات على ممارسة أنشطة مع إيران، طالما التزمت بالاتفاق. وتريد الإدارة الأميركية التوصل إلى اتفاق شامل يكبح أنشطة إيران الإقليمية، إضافة إلى خطط تطوير الصواريخ الباليستية. ومن شأن الخطوة أن تضع الجانب الأوروبي في صدام محتمل مع سياسات الرئيس دونالد ترمب بشأن طهران.
في هذا السياق، قالت متحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية إن الولايات المتحدة لا تتوقع أن تؤثر آلية التجارة، التي تؤسسها دول أوروبية لتسهيل التجارة مع إيران، على الحملة الرامية إلى ممارسة «أقصى ضغط اقتصادي» على طهران.
وقالت المتحدثة التي طلبت عدم الكشف عن اسمها: «لا نتوقع أن تؤثر آلية التجارة بأي حال على حملتنا لممارسة أقصى ضغط اقتصادي». وأضافت أن الوزارة تتابع التقارير حول الآلية لمعرفة المزيد عنها.
وذكرت أن الكيانات التي تشارك في أنشطة خاضعة لعقوبات إيران تواجه خطر فقد الوصول إلى النظام المالي الأميركي والقدرة على القيام بأعمال مع شركات أميركية.
قبل ذلك، قالت السفارة الأميركية في ألمانيا أمس إنها تسعى للحصول على تفاصيل إضافية بشأن الآلية، لكنها لا تتوقع أن تؤثر الآلية على حملة واشنطن لممارسة أقصى ضغط اقتصادي على طهران.
وذكر متحدث باسم السفارة: «كما أوضح الرئيس، الكيانات التي ستشارك في أنشطة خاضعة للعقوبات مع إيران ستواجه عواقب وخيمة، من بينها عدم إمكانية استخدام النظام المالي الأميركي أو التعامل مع الولايات المتحدة أو الشركات الأميركية». وأضاف: «لا نتوقع أن يكون لآلية المدفوعات الخاصة أي تأثير على حملتنا لممارسة أقصى قدر من الضغوط».
وكانت وكيلة وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية سيغال ماندلكر قد ذكرت أن واشنطن ليست قلقة على الإطلاق من قدرة الشركات الأوروبية في تجنب العقوبات.
ونسبت وكالة «فارس» إلى مسؤول روسي قوله إن موسكو «ستعمل مع الأوروبيين بشكل فعال للحصول على ضمان نجاح الآلية».