في «لسان العرب»، المعجم اللّغوي لإبن منظور نقرأ: «قيلَ لوزير السلطان وزير، لأنه يؤازر السلطان في أثقال المملكة...» أيْ إن الوزير عندما يُعيَّنُ بالإكراه ويخوض حرباً باسم توزيرِه، يصبح إذ ذاك ثِقْلاً غليظاً على السلطان وعلى المملكة معاً.
عندنا... تختلف المقاييسُ الشرعيةُ للحكم والحكومة والسلطة، ولم يعد لنا علاقة بأنظمة الأمم وشؤون الممالك ووزير السلطان، ولا بلسان العرب والمعجم اللغوي وإبن منظور.
الحكومة الشرعية، بالمعنى الفلسفي هي التي تتولاها سلطةٌ يؤمـنُ الشعب بأنها السلطة الحقيقية...
والحكومة الشرعية أو التمثيلية بالمعنى الديمقراطي، هي التي يتولاها حكام يستمدون ولايتهم من انتخابات عامة حـرّة.
عندنا... يختلف المعنى الفلسفي والتمثيلي للحكومات التي لم تكنْ مستمدة من إنتخابات عامة حـرّة تراعي العدالة والمساواة وصحة التمثيل، وحتى قانون الإنتخابات الأخير الذي تجـرّعهُ الشعب كالسمّ الإنتحاري، يحكم عليه عـرّاب الطائف الرئيس حسين الحسيني بأنْ «لا شرعية لـه ولا شرعية للمجلس النيابي الذي انبثق منه»، بل يصفُه «بأنه الضربة القاضية التي وُجِّـهت الى الوحدة الوطنية في لبنان...»
والذين تخدَّروا بهذا القانون مبتهجين، سيُدركون متأخرين مقدار أخطاره في الآتي من الأيام، بحيث تنقلب المعادلة: من الديمقراطية التوافقية الى «الديمقراطية المذهبية» وصاحب المذهبية الأقوى يصبح الحاكم العرفيِّ الأقوى.
وهذا القانون هو الذي كرّس نظرية «الحق الإلهي» للزعامات التي منها: مَـنْ نصَّـب نفسه بالعمالة زعيماً، ومنها من نصَّبَ نفسه زعيماً بالدم، ومن كان أكثر عمالةً أصبح أكثر وجاهةً، ومن كان يقتل أكثر أصبح الزعيم الأكبر.
مع هذا الأنموذج السياسي البشري لا غرابة في أن تستمر الجمهورية شاغرة، وأن تستمر الدولة معطلة بلا حكومة، والحكومة عاطلة وبلا تأليف.
تأمّلوا: الكيان المصيري كلُّـه مهدّد، ومعلَّـق بحقيبة وشبه وزير..
والبلد كلّه في حالة احتضار خطير، وما زالوا يتلاعبون بمشروع الجثـة.
هؤلاء هم قادة البلاد وأركان الدولة والمؤتمنون على الشرف الوطني، شياطينهم قبل تأليف الحكومة لن تتحوَّل بعد التأليف الى ملائكة، بل ستكون المناطحة أكثر شراسةً حول الفريسة.
بعد الحكومة كما قبلها لن تتغير الوجوه ولن تتغير الظروف ستبقى هناك هيمنةٌ للخارج، وسيبقى للخارج ولاء وستبقى الحكومات كأنها جماعات نازحة الى وطن وكل جماعةٍ مستوردة من بلاد.
هـؤلاء هم أولياء أمر الشعب، والشعب مملكةٌ من النمل يسـير تحت رهبـة الأقدام، متعبِّداً للأنبياء الكذَبة على ما يقول الشاعر:
أُحبُّكُمْ وهلاكي في محبتكُمْ كَعابدِ النارِ يهواها وتُـحْرقُـهُ
الأمبراطور الصيني كان يتعبّد لـه الصينيون ويؤمنون بأنه «إبن السماء» فإذا ازدهرت المواسم والمحاصيل كانت السماء راضية عن إبنها، وإذا أمْحلتِ الأرض وحـلّتْ بها الكوارث، تكون السماء قد تخلَّت عن إبنها الأمبراطور ويحـقّ للشعب خلْعَـهُ.
وأنتم يا أبناء لبنان، أفما آن لكم أن تتخلّوا عن «أبناء سماواتكم» فيما الكوارث تلاحقكم بالفواجع.
حاولوا مرةً أنْ تجعلوا عقولكم تتـقمّص في الصين.