31 ك2 2019: ولدت حكومة الوحدة الوطنية رقم 2، في عهد الرئيس ميشال عون، بعد صراع مرير مع مجموعة من أمراض الجسم السياسي اللبناني: شلت المساعدات، وهددت مقررات «سيدر» الباريسي، ووضعت رواتب موظفي الدولة امام عقبة «السيولة المشروعة»، وهددت مؤسسات القطاع الخاص والشركات التي افلست أو اقتربت من الإفلاس.
ولئن كانت الحكومة الحالية، هي الثالثة التي يشكلها الرئيس الحريري، والذي اقترب أكثر فأكثر من النادي السياسي اللبناني بتقليديه ومحديثه، فإن أعباء المرحلة الراهنة جسيمة، وسط تنازع مصالح كبرى دولية وإقليمية على مساحة لبنان، الذي ما يزال مطلوباً امنه واستقراره، وحتى استعادة عافيته.
بعد 252 يوماً بالتمام والكمال وُلِدَت الحكومة، ليعلن الرئيس الحرير ان العلاج «بالمسكنات» انتهى.
وقال في أوّل تغريدة له: «الحكومة عندها جدول أعمال وورشة شغل ولا تحتمل التأخير والتردد والتشاطر على الناس. زمن العلاج بالمسكنات انتهى ولم يعد أحد يستطيع أن يخبئ رأسه في الرمال. الأمور واضحة وضوح الشمس. كل المشاكل معروفة وأسباب الهدر والفساد والخلل الإداري معروفة أيضا وكل اللبنانيين عايشين القلق على الوضع الاقتصادي».
واعتبر الوزير جبران ان محاربة الفساد ومعالجة الوضع الاقتصادي، والنازحين السوريين هي في صلب الأولويات، فيما عبرت القوى السياسية المشاركة في الوزارة العتيدة ان التعاون شروط من شروط نجاج التجربة الجديدة، عشية دعوة الحكومة لالتقاط الصورة التذكارية غداً، وعقد أوّل اجتماع لتشكيل لجنة صياغة البيان الوزاري.
ومن أوائل الانعكاسات الإيجابية لما يُمكن تسميته بحكومة وقف الانهيار، انتعاش أسواق سندات لبنان السيادية الدولارية، إلى أعلى مرتبة منذ تموز 2018، إذ قفزت السندات استحقاق 2037 بواقع 4.3 سنت.
والبارز، عدا عن العودة لوزيرين سياديين هما وزير المال علي حسن خليل، ووزير الخارجية والمغتربين باسيل، هو خروج وزير الدفاع الارثوذكسي يعقوب الصرّاف ليحل محله وزير الدفاع الجديد الياس بوصعب، وهو ارثوذكسي ايضا يمثل التيار الوطني الحر، من حصة رئيس الجمهورية، وخروج وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق لتحل محله الوزيرة سابقة ريّا الحسن في الداخلية، كواحدة من أربع نساء، وكأول امرأة تتولى وزارة سيادية، هي الداخلية منذ استقلال لبنان.
وبخروج 17 وزيراً، يكون دخل إلى الحكومة الجديدة، 17 وزيراً جديداً، جلهم من الشباب مع غياب عدد من الوزارات، مثل وزارة الدولة لمكافحة الفساد، ووزارة الدولة لشؤون التخطيط، ووزارة الدولة لشؤون الإنسان، فيما حلت مكانها وزارة الدولة لشؤون تكنولوجيا المعلومات، ووزارة الدولة لشؤون التجارة الخارجية، وتغيير اسم وزارة الدولة لشؤون المرأة لتصبح: وزارة دولة لشؤون التأهيل الاجتماعي والاقتصادي للشباب والمرأة، والتي اعترضت على تسميتها فيوليت الصفدي (زوجة النائب السابق محمّد الصفدي) التي اسندت إليها الوزارة.
وليلاً، زار الوزير السابق نهاد المشنوق الرئيس الحريري في «بيت الوسط»، وهنأه بولادة الحكومة.
لقد فعلها الرئيس الحريري، بحكومة ثلاثينية بحسب ما كان متمسكاً بها طيلة هذه الشهور التسعة، وفق صيغة الثلاث عشرات، ولو كان رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، اعتبر انه حصل على 11 وزيراً مع الثلث المعطل، وانه حصل على أكثر مما يريد في الحكومة، إذ ان واقع الأمور يخالف اعتبارات الوزير باسيل، لأن وزير «اللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين» لا يجوز اعتباره عضواً في تكتل «لبنان القوي» وان كانت تسميته تمت من حصة رئيس الجمهورية والا لما كانت كل هذه المفاوضات طيلة الشهرين الماضيين، أخذت كل هذه المماحكات والمناورات، شرط ان لا يكون الكلام فوق الطاولة غيره تحتها.
ومهما كان من أمر، فإن هذه الحكومة، والتي انتكست ولادتها عدة مرات، جاءت أمس مكتملة بضوء أخضر سواء كان داخلياً او خارجياً، ولو كانت أجواء بعبدا تؤكد انها حكومة صنعت في لبنان.
صحيح لم تكن التوقعات تدل على ان الحكومة ستبصر النور أمس، وتُشير إلى احتمال الولادة اليوم أو غداً، لكن المؤشرات كانت توحي على ان المناخ هو مناخ ولادة، وان الأمر يحتاج فقط إلى بعض «الروتوش» على تفاصيل صغيرة، وعليه بقيت الاتصالات مستمرة حتى في الربع الساعة الأخيرة، وهي انحصرت في مسألة تبادل حقائب، بعد ان تمّ حسم مسألة تمثيل «اللقاء التشاوري» على ان يكون من حصة رئيس الجمهورية، وانه يمكن ان يُشارك في اجتماعات تكتل «لبنان القوي» فيما لو دعي إليها، من دون ان يكون عضواً فاعلاً فيه، كما تمّ حسم اسم حسن مراد نجل النائب عبد الرحيم مراد من خلال البيان الذي أصدره النائبان فيصل كرامي وجهاد الصمد، والذي نفى ان يكونا قد اعترضا على اسم مراد.
وفي مسألة الحقائب، كان البارز الاتصال الذي تمّ بين الرئيس الحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع لتسهيل آخر التبادل الحكومي، والذي انحصر بإمكان تخلى «القوات» عن حقيبة الثقافة لصالح حركة «امل» في مقابل حصول «القوات» على وزارة التنمية الإدارية، فتجاوب جعجع، وبقيت حقيبة الإعلام من حصة «المستقبل» بعد ان رفضها سائر الأطراف.
وبموجب محصلة هذا الاتصال، والذي تعهد فيه جعجع بأن يعلن الاتفاق في مؤتمر صحافي بعد اجتماع كتلة «الجمهورية القوية»، في معراب، صعد الرئيس الحريري إلى بعبدا، وكانت الساعة قرابة الخامسة والنصف غروباً، وعرض مع الرئيس ميشال عون، حصيلة اتصالاته الأخيرة، وبعد قرابة نصف ساعة، انضم الرئيس نبيه برّي إلى الاجتماع، فكانت أوّل إشارة رسمية إلى ولادة الحكومة، لا سيما بعد ان استدعي لاحقا الأمين العام لمجلس الوزراء فؤاد فليفل الذي تولى تلاوة المراسيم.
الحصص بالأرقام
وبحسب هذه المراسيم، فقد تمثلت كل الكتل النيابية في الحكومة، باستثناء حزب الكتائب والحزب القومي، فيما كان لافتا حصول فريق رئيس الجمهورية ومعه «التيار الوطني الحر» على حصة الأسد، أي الثلث المعطل، والتي يُمكن احتسابها، بحسب الوزير باسيل، بـ11 وزيراً في حال اعتبر الوزير الدرزي الثالث صالح الغريب.
وقد ضمّت التشكيلة الحكومية 17 وزيرا جديداً هم: مي شدياق، منصور بطيش، محمود قماطي، محمّد شقير، حسن مراد، ندى بستاني، جميل جبق، عادل أفيوني، ريشار قيومجيان، حسن اللقيس، كميل بو سليمان، فيوليت خير الله الصفدي، فادي جريصاتي، البير سرحان، غسّان عطا الله، صالح الغريب ومحمّد داوود.
وكانت مفاجأة اللحظة الأخيرة تسمية الوزيرة السابقة ريّا الحفار الحسن للداخلية، مما رفع عدد الوزيرات إلى أربع هنّ: فيوليت خير الله التي عهد إليها وزارة دولة للتأهيل الاجتماعي وندى بستاني للطاقة ومي شدياق للتنمية الإدارية والحسن.
اما بالنسبة إلى الحصص فقد كان لافتاً ان مجموعة من الحقائب الدسمة ذهبت إلى وزراء «التيار الحر» الذي نال حقائب الخارجية والدفاع والعدل والسياحة والاقتصاد والبيئة والطاقة، فيما لم يعهد لوزراء «المستقبل» سوى الداخلية، والإعلام والاتصالات، وحسب ما كان متفقاً عليه أعطيت «القوات اللبنانية» أربعة حقائب هي نائب رئيس الحكومة، والعمل، والشؤون الاجتماعية والتنمية الإدارية، التي وافقت عليها «القوات» في اللحظة الأخيرة، بدلاً من حقيبة الثقافة التي عهدت إلى كتلة حركة «أمل» في مقابل ذهاب البيئة من حصة الحركة إلى «التيار الحر».
واحتفظ «حزب الله» بالشباب والرياضة، وشؤون مجلس النواب، بعدما فاز بحقيبة الصحة التي عهدت إلى وجه جديد من الحزب هو جميل صبحي جبق، الذي يقال عنه انه الطبيب الخاص للسيد حسن نصر الله، كذلك احتفظت حركة «أمل» بحقيبة «المال» التي بقيت للوزير علي حسن خليل، بالإضافة إلى الثقافة والزراعة.
والأمر نفسه انسحب على حقائب الحزب التقدمي الذي احتفظ بالتربية للوزير اكرم شهيب، والصناعة للوزير وائل أبو فاعور، وكذلك الأمور بالنسبة إلى «المردة» الذي احتفظ بالاشغال للوزير يوسف فنيانوس.
واللافت في سياق الحقائب تسمية وزارة دولة لشؤون تكنولوجيا المعلومات أعطيت لممثل الرئيس نجيب ميقاتي عادل افيوني، كذلك وزارة دولة لشؤون التجارة الخارجية التي أعطيت لممثل «اللقاء التشاوري» حسن مراد وهو نجل النائب عبد الرحيم مراد، ووزارة دولة لشؤون التأهيل الاجتماعي والاقتصادي للشباب والمرأة التي ذهبت إلى فيوليت خير الله، فيما بقيت وزارة الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية لفريق الرئيس عون والتي عهدت إلى الوزير سليم جريصاتي، فيما غابت وزارات مكافحة الفساد والتخطيط وحقوق الإنسان.
وفي التقسيم الوزاري نال تكتل لبنان القوي ورئيس الجمهورية 11 وزيراً من بينهم وزير «اللقاء التشاوري» والوزير الدرزي الثالث، في حين اقتصرت حصة كتلة «المستقبل» على خمسة وزراء مع الرئيس الحريري، في حين حافظ الثنائي الشيعي على ستة وزراء، والحزب التقدمي على وزيرين، و«القوات» بأربعة و«المردة» بواحد، ونجح «اللقاء التشاوري» في فرض تسمية ممثّل عنه كوزير جاء من حصة رئيس الجمهورية.
وفي الشكل، لا تختلف الحكومة الجديدة عن الحكومة السابقة، بتوزيعها الطائفي والسياسي، لكن ما قاله الرئيس الحريري بعد تأليف الحكومة أكثر من واضح في العمل كفريق مع رئيس الجمهورية، وهو أكّد لـ«اللواء» ان كل ما ذكره عن قضايا المواطن ستحضر في البيان الوزاري، مشيراً إلى انه لم يختر اسماً لحكومته التي تعقد جلسة أولى لها غداً السبت بعد الصورة التذكارية.
واعتذر الرئيس الحريري من اللبنانيين عن التأخير في تشكيل الحكومة، مؤكداً ان «زمن العلاج بالمسكنات قد انتهى، ولم يعد لاحد القدرة على ان يدفن رأسه بالرمل، فالامور واضحة كالشمس»، ومشدداً على انه «باق مع فخامة الرئيس كفريق واحد وقلب واحد لخدمة البلد».
وقال ان هناك من يرغب في رمي الجمر بين يديّ، وبالتالي، «ليس لديّ ولدى الوزراء اي خيار، وعلينا مع الرئيس والمجلس النيابي ان نتحمل هذه المسؤولية، ونمنع انتقال الجمر الى بيوت اللبنانيين».
واكد الحريري انه ينوي مع الوزراء العمل بجدية، و«من يريد ذلك منهم، عليه ان يثبت نفسه، ومن لا يريد العمل سيواجه مشكلة معي ومع الرئيس ورئيس مجلس النواب».
ردود فعل
ومع ان ردود الفعل جاءت بمعظمها مرحبة، فقد كان لافتاً خروج الوزير باسيل إلى الإعلام بوجه المنتصر، إذ أكّد ان «تكتل لبنان القوي» حصل على 11 وزيرا في الحكومة ، وهذا اكثر مما كنا نريد»، مشيراً الى أنه «لا أحد يمكنه أن يمنع هذا الأمر بأي حجة بغض النظر اذا كان له غاية معينة»، لافتاً الى أن «هذه الحكومة لا يوجد فيها اصطفافات».
واوضح أنه «لا يوجد 3 عشرات في الحكومة»، معتبراً ان «البلد ارتاح عندما خرجنا من واقع الإنقسام العامودي، ونحن نمسك بيدينا الجانبين لنجمعهما معا».
ورأى «أننا لو قبلنا من أول لحظة بنتيجة الإنتخابات لما كنا وصلنا الى هنا»، مشيراً الى «أننا كنا 20 نائبا وأصبحنا 29، طرحوا علينا ان يقللوا من عدد حقائبنا ومن حقائب رئيس الجمهورية»، مشدداً على أنه «يجب علينا جميعا أن نقبل بالحقائق السياسية ونتعامل معها».
وسرعان ما ردّ عليه جعجع، مؤكداً «أنه لا يستبشر خيراً، قياساً على التصرفات في الحكومة السابقة، مستعيداً عرقلة صفقة بواخر الكهرباء والتي كانت ستكلف المليارات»، مشدداً على ان علاقته بباسيل مقطوعة في حين ان علاقته برئيس الحكومة مفتوحة، وهذا ما أدى إلى تشكيل الحكومة، لكنه قال ان أبوابه مفتوحة في كل الأوقات ضمن الثوابت والقناعات التي يؤمن بها، مكرراً قوله انه «ليس هناك من اعمال حقيرة بل اناس حقيرون».
اما رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، فغرد عبر حسابه على «تويتر» مباركاً للرئيس الحريري الحكومة بعد جهد جهيد، مشيراً إلى انه سيساعده ضمن الثوابت التي يؤمن بها الحزب، لكنه أكّد انه سيعترض علي أي خلل يصيب المال العام والثروة الوطنية، كما في دير عمار ومصفاة طرابلس.
ولفت جنبلاط إلى ان «ملاحظته حول تأخير الحكومة، لم تأت الا من باب التخمين، ولا داعي لجعلها مادة خلاف، المهم المستقبل».
وأصدرت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمنية فيدريكا موغريني، بياناً «رحبت فيه بتشكيل الحكومة»، واصفة إياها بأنها «خطوة إيجابية بالغة الأهمية بالنسبة إلى استقرار لبنان».