تنوّعت توصيفات هذه الحكومة وتعدّدت أبعادها والخلفيات. ففي الوقت الذي تحدث البعض عن «تسوية إقليمية ـ دولية» أنتجتها، وانه ربما يكون هناك مناخ اقليمي ـ دولي ضُخّ عبر فرنسا وسَهّل التأليف، تحدث البعض الآخر عن أنّ العقبات كانت داخلية، نافياً وجود تسوية من هذا النوع، مؤكداً انّ الحكومة جاءت نتاج «تقاسم مصالح داخلية».
وما ميّز هذه الحكومة عن سابقاتها شكلاً، توزير 4 نساء فيها للمرة الاولى بهذا الحجم النسائي في تاريخ الحكومات اللبنانية، وهنَّ: ندى البستاني لوزارة الطاقة، ريا حفار الحسن لوزارة الداخلية، مي شدياق لوزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية، ڤيوليت خيرالله الصفدي لوزارة الدولة لشؤون التأهيل الإجتماعي للشبّان والمرأة.
ولوحظ تطيير وزارات كانت في الحكومة السابقة، لعلّ ابرزها وزارة مكافحة الفساد، في الوقت الذي يطرح الكثيرون شعار التصدّي له.
امّا في المضمون، فتبدو الحكومة انها حكومة «رابح رابح» في رأي البعض، بمعنى أنّ جميع الافرقاء في إمكانهم ادّعاء الربح تمثيلاً سياسياً ووزارياً.
فـ«حزب الله» طبّق فعلياً سياسة الفصل بين النيابة والوزارة مُوَزّراً حزبيين لا نواباً، ونجح في تمثيل «اللقاء التشاوري» أي الحليف السنّي وحصل على وزارة الصحة وعلى تمثيل جاءت معاييره العامة محفوظة، وأكد بذلك استمرار الشراكة مع الحريري للمرحلة المقبلة.
امّا الحريري فقال البعض انه حافظ على تمثيله السنّي، معطوفاً على تمثيل مسيحي، تاركاً تمثيل «اللقاء التشاوري السنّي» لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، من دون أن يتنازل عن أي وزير من حصته السنّية، مسجّلاً له توزير سيّدة وللمرة الأولى في وزارة الداخلية، فضلاً عن توزيره 3 سيّدات أخريات في حكومته الثالثة.
وأمّا رئيس مجلس النواب نبيه بري فربح في الحفاظ على حضوره شريكاً اساسياً في الحكومة، بحصة وزارية ثلاثية دسمة يمسك من خلالها بما تسمّى «أم الوزارات»، أي وزارة المال. مع العلم انّ محاولات حثيثة جرت في اوقات معينة لانتزاع هذه الوزارة منه.
وبدوره، رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، فرض لمسته على وزراء رئيس الجمهورية و«التيار».
«التيار»
وقالت مصادر مطلعة على موقف «التيار» لـ«الجمهورية»: «انّ تشكيل الحكومة هو في حدّ ذاته انتصار للتيار في وجه كل محاولات التعطيل وإجهاض نتائج الانتخابات».
وأضافت: «لقد تشكّلت الحكومة وسقطت محاولات تعويم الحكومة المستقيلة تحت عناوين اقتصادية. وقد حسمها «التيار» بحصوله على مطالبه، وبإصراره على حقوق اللبنانيين الذين يمثّلهم، والشاهد هو عدد الوزراء ونوعيّة الحقائب. كذلك حسمها «التيار» لأنه ثبّتَ وكرّسَ قاعدة المعيار الواحد في تشكيل الحكومات وفقاً لعدالة التمثيل. وعلى رغم من حصول «القوات» على أكثر ممّا يحقّ لها، فإنّ «التيار» وافق على ذلك في اعتباره مكسباً للمسيحيين بكل الاحوال».
وأضافت: «حسمها «التيار» بتكريس الحصة الوزارية لرئيس الجمهورية بأكثر من 4 وزراء. لقد بدأوا بعرض 9 وزراء على «التيار» ورئيس الجمهورية معاً، وبإصراره وصل «التيار» الى حصة 11 وزيراً. حاولوا انتزاع وزارات الطاقة والعدل والبيئة منه فقاوم وحَصّلها جميعها وزاد عليها. إفتعلوا عدداً من المشاكل في وجهه، وحاولوا ابتزازه وتهديده بتعطيل تشكيل الحكومة وضرب عهد الرئيس عون. قاومَ ودافعَ عن حقوقه، وأوجَد الحلول لكل المشاكل ولم يضع شروطاً على أحد».
ورأت المصادر «انّ «التيار» انتصر بتثبيت الحقوق والمعايير وبتشكيل الحكومة بناء على نتائج الانتخابات النيابية، وهذا الانتصار هو انتصار للبنان والتحدي الذي يضعه «التيار» نصب أعينه هو ان تكون الحكومة متميّزة بإنتاجية وزاراتها».
«القوات»
وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» انّ تشكيل الحكومة «تحوّل قلقاً وجودياً بالنسبة إلى الشريحة الأكبر من اللبنانيين الخائفين على مصيرهم ولقمة عيشهم ومستقبل أولادهم، في ظل ارتفاع نسبة البطالة بنحو مخيف وغير مسبوق، والجمود في القطاعات الانتاجية والاستثمارية، وفراغ وتعطيل يضاعفان منسوب الأخطار الكيانية على لبنان وطناً ومواطنين. وبالتالي، أمام هول هذا المشهد كان تأليف الحكومة يشكّل بالنسبة إلى «القوات» أولوية الأولويات، وكانت في صدد إطلاق صرخة تحذيرية في اجتماع تكتّلها أمس لو استمر الفراغ على النحو المعلوم».
وأكدت المصادر انّ الحريري «لم يُفاتح «القوات» بتبديل الحقائب سوى أمس، بعدما شعر أنّ الأبواب أقفلت في وجهه إقراراً منه بأنّ «القوات» قدّمت ما يكفي من التسهيلات. ولكن حين أكد لها انّ مصير الحكومة يتوقّف على موقفها، لم تتردد في اجتماع «التكتل» بالموافقة لسببين أساسيين: الأول، لأنّ البلاد في حاجة ماسة إلى حكومة تتجاوز أي تفصيل من هنا ومن هناك، خصوصاً انها كانت تنازلت كمّاً ونوعاً من أجل ولادتها في المرة السابقة. والثاني، لأن لا فارق بين وزارة الثقافة وبين وزارة التنمية الإدارية او وزارة الإعلام، فضلاً عن أنّ اي موقف مغاير لـ«القوات» كان سيشكّل غطاء للطرف السياسي الذي عَطّل الحكومة وحال دون ولادتها منذ أشهر عدة».
وأضافت المصادر: «الأولوية اليوم هي في محاولة التعويض على اللبنانيين ما خسروه بفعل الفراغ الطويل، عن طريق دينامية حكومية استثنائية تعمل في اتجاهين: الالتزام بسياسة «النأي بالنفس» من أجل إبعاد المخاطر الإقليمية عن لبنان، والعمل سريعاً على إقرار رزمة من المشاريع الاقتصادية التي تعيد لبنان إلى سكة الأمان».
مواكبون للتأليف
على انّ فريقاً من السياسيين واكَب مشهد التأليف منذ بدايته، قال: «اذا كان صحيحاً انّ العُقد كانت داخلية كما كانوا يدّعون، هل انّ حكومة كهذه تستأهِل كل هذه المدة من الانتظار، وتعطيل البلاد لأكثر من 8 أشهر، وتهديد رزق العباد؟ فالحكومة الجديدة لا تضم أقطاباً ولا شخصيات، بل تضمّ أشخاصاً عاديين وبعضهم لا توحي أسماؤهم بالثقة، وكان يمكن تأليفها منذ اليوم الاول للتكليف.
ثم انّ توزيع الحصص لم يتبدل، وهذا ما يؤكد انّ الاطراف الداخلية، وفي محاولة لتغطية وَلاءاتها الخارجية، حاولت تصوير الأمر وكأنّ العقد داخلية، في حين انّ الضوء الاخضر وصل من الخارج، وتحديداً من إيران، للافراج عن حكومة لبنان، بعد الزيارات الاميركية المتتالية الى لبنان والتي حملت تهديدات واضحة، وكذلك بعد التهديدات العسكرية الاسرائيلية، والتطورات المرتقبة في سوريا والتعديل الحاصل في الموقف الروسي حيال الوجود الايراني في سوريا، ومعارضة موسكو تحويل سوريا جبهة، بالاضافة الى حصول ضغوط أوروبية واميركية للإسراع في تأليف الحكومة لإنقاذ مصير مؤتمر «سيدر»، علماً انّ معلومات موثوقة تؤكد ذهاب جزء من مخصصاته الى دول أخرى».
معارضو التسوية
وبدورها، قالت مصادر معارضة للتسوية الرئاسية لـ«الجمهورية» انه «إزاء التهديدات الاسرائيلية والاميركية، أراد «حزب الله» وايران ان تولد حكومة لبنان لمواجهة التطورات المقبلة، خصوصاً انّ «الحزب» و8 آذار مُمسكان بمفاصل الدولة. فوزارة الدفاع لرسم الاستراتيجية الدفاعية، ووزارة العدل لمواجهة قرار المحكمة الدولية، ووزارة الخارجية لرسم ديبلوماسية لبنان وسياسته الخارجية، إضافة الى الوزارات الاخرى كوزارة المال لرسم السياسة المالية. وأنتج «الحزب» سيناريو أظهرَ نفسه فيه بأنه ضَحّى في مسألة ان يختار رئيس الجمهورية الوزير السنّي السادس، فيما رئيس الجمهورية اختار من يريده «الحزب»، وإلّا لكانوا وَزّروا سنياً معتدلاً وليس وزيراً يمثّل سوريا و«حزب الله»، وبذلك يكون لـ«الحزب» أكثر من «الثلث المعطّل» في الحكومة».
الحريري
وإثر صدور مراسيم تشكيل الحكومة، قال الحريري: «انّ الواجب يقتضي الاعتذار من جميع اللبنانيين على التأخير»، مشدداً على «أنّ زمن العلاج بالمسكنات انتهى، وكل المشاكل وأسباب الهدر والفساد معروفة».
وقال: «نحن امام تحديات اقتصادية ومالية وخدماتية غير التهديدات الاسرائيلية، وأتّكِل على تعاون الجميع». وأكد أنّ «التعاون شرط واجب لنكون بمستوى التحدي لتجاوز هذه المرحلة»، مشيراً الى انّ «الحل بإصلاحات جريئة وليس بالنق».
ولفت الحريري الى انّ جلسة لإعداد البيان الوزاري ستعقد ظهر غد السبت.
وعلم انه سيسبق هذا الاجتماع التقاط الصورة التذكارية للحكومة. ولاحقاً، غَرّد الحريري على «تويتر»، قائلاً: «إلى العمل».
السندات ترتفع
وعلى الصعيد المالي، كان أوّل غيث التأليف الحكومي إنعكاسه إيجاباً على سندات لبنان الدولارية التي ارتفعت بعد اعلان ولادة الحكومة بعد 9 أشهر من المساومات على الحقائب الوزارية.
وأظهرت بيانات «تريدويب» أنّ سندات استحقاق 2037 قفزت 4,3 سنتات إلى أعلى مستوى منذ أوائل آب 2018، في حين ارتفعت سندات استحقاق 2025 أكثر من 3 سنتات إلى أعلى مستوى منذ تموز 2018.