دخلت روسيا على خط الأزمة العراقية المشتعلة بشأن الوجود العسكري الأميركي، ما يزيد من حرارة التصعيد الذي تحرّكه أطراف عراقية موالية لإيران فيما تبحث حكومة عادل عبدالمهدي عن حالة من التوازن تحافظ فيها على علاقات جيدة مع واشنطن.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف خلال مؤتمر صحافي مع نظيره العراقي محمد علي الحكيم، إنه يأمل في ألا يكون للوجود العسكري الأميركي في العراق “أي أهداف جيوسياسية في المنطقة”، في رسالة تحمل تساؤلات بشأن مشروعية هذا الوجود وخفاياه، وهو ما يصب في فائدة الأطراف الموالية لإيران التي تطالب بانسحاب أميركي سريع من العراق وتضغط لأجل أن يتولى البرلمان استصدار قرار في الأمر.
وقال لافروف “بالطبع نتوقع أن يكون الوجود العسكري الأميركي في العراق مستوفيا لأهدافه المعلنة، وهي مكافحة الإرهاب ومساعدة الحكومة العراقية على تحقيق الاستقرار، وليس حلّ المهام الجيوسياسية في هذه المنطقة بطريقة ما”.
وأضاف أن موسكو “تحترم السيادة العراقية وترى أن الوجود العسكري الأميركي في العراق قانوني من الناحية الدولية، لأنه جاء بتوافق مع الحكومة العراقية”.
ومن الواضح أن لافروف يجري مقارنة بين مشروعية الوجود الأميركي في العراق باتفاقية موقعة بين البلدين، ووجوده في سوريا دون أي اتفاق أو ضوء أخضر من دمشق، خاصة مع التلويح الأميركي المستمر بأن داعش بات قاب قوسين أو أدنى من الهزيمة النهائية.
بالمقابل سعى وزير الخارجية العراقي إلى التأكيد أن بلاده لا تفكر بتنفيذ عمليات داخل سوريا ضد تنظيم داعش بالرغم من إعلان الولايات المتحدة قرارها بالانسحاب، ساعيا بمثل هذا التصريح إلى سحب البساط من تحت أرجل الميليشيات الموالية لإيران التي دأبت على التلويح باستعدادها لدخول سوريا.
وقال محمد علي الحكيم إن العراق لا ينوي تنفيذ عمليات لـ”مكافحة الإرهاب داخل الأراضي السورية”، مشددا على أن أي عمليات من هذا النوع، ستقتضي “التنسيق مع دمشق”. وزاد أن قوات بلاده “ستكتفي بتأمين المنطقة الحدودية”، بين العراق وسوريا.
ويرتبط العراق بشريط حدودي طويل مع سوريا، يبدأ من المناطق الشمالية في محافظة نينوى، وينتهي في المناطق الغربية عند محافظة الأنبار.
وشكل هذا الشريط مصدر قلق أمني للعراق منذ 2003، إذ تحوّل إلى ممر دائم للجهاديين المتطرفين الذين التحقوا بتنظيم القاعدة ثم داعش، لقتال القوات الأميركية والعراقية، والتسبب في أعمال عنف قادت إلى مقتل عشرات الآلاف من العراقيين.
وفجّر إعلان الانسحاب الأميركي العسكري من سوريا مؤخرا، عاصفة من الجدل أصابت العراق في جزء منها، إذ سيتحوّل هذا البلد إلى منصة للعمليات الأميركية من جهة، وسيضطر للتصدي بنفسه لعمليات تسلل الجهاديين عبر الحدود من جهة ثانية.
لكن مصادر “العرب” في بغداد تؤكد أن “خطة الانسحاب الأميركي من سوريا عسكريا، ما زالت مجرد إعلان رئاسي، وعلى الأرض ما زالت القوات الأميركية تحتفظ بمواقعها المعروفة في منطقة التنف قرب الحدود مع العراق”.
وتنقسم مواقف الأوساط السياسية العراقية بشأن حاجة الأمن في البلاد إلى شن غارات داخل العمق السوري لمطاردة تنظيم داعش، وقدرة القوات المسلحة على تنفيذ المهمة، فضلا عن أن هذه المهمة هي في الأساس ليست من ضمن مسؤولية بغداد.
وتتحدث المصادر عن “تطوير تخضع له الخطة الأميركية في سوريا، يتمثل في الاعتماد على قواعد عسكرية داخل الأراضي العراقية لمتابعة التطورات في البلد المجاور، ما يعني أن الانسحاب تحول إلى مجرد إعادة انتشار”.
وبالرغم من الجدل الذي تثيره الخطط الأميركية في أوساط الجماعات العراقية المسلحة الموالية لإيران، فإن “بغداد تشعر بارتياح نحوها، لأنها على حدّ تعبير مصادر قريبة من رئيس الوزراء العراقي، تمثل ضمانا إضافيا لأمن البلاد في مرحلة حساسة”.
ومع ذلك فإن التداعيات الجانبية لتطوير خطط واشنطن في سوريا، ستتمثل في زيادة الوجود العسكري الأميركي على الأراضي العراقية، وإن كان ذلك بشكل مؤقت، وهو ما يغضب الإيرانيين من جهة، ويثير حفيظة الروس من جهة ثانية.
ويبدو أن بغداد تسعى لتثبيت دعائم الاستقرار الأمني في البلاد، من خلال تفعيل شراكات سابقة مع أطراف قد لا يستفز وجودها على الأراضي العراقية مخاوف إقليمية كبيرة.
وفي هذا السياق، استقبل عبدالمهدي، الأربعاء، في مكتبه رئيس الهيئة العسكرية لحلف شمال الأطلسي “الناتو” الفریق ستيوارت بيتش.
وأكد عبدالمهدي للمسؤول العسكري الزائر أن “العراق يعيش مرحلة استقرار تتطلب تطوير قدراته الأمنية والاستخبارية”، مشيرا إلى “أهمية التعاون بين العراق وحلف شمال الأطلسي في مكافحة الإرهاب ودعم وتجهيز القوات الأمنية وزيادة برامج التدريب للقوات الأمنية”.
وضم وفد الناتو كلاّ من “القائد الأعلى الفریق أول كورتس سكاباروتي، واللواء داني فورتن قائد بعثة الناتو في العراق، والعمید البحري فرد كاشر مساعد القائد الأعلى لحلف شمال الأطلسي، والعقید شون باسكو رئیس أركان الھیئة العسكریة، ومارتن فروجر المساعد المدني لقائد بعثة الناتو في العراق”.
ويعكس هذا الحضور الرفيع لـ”الناتو” في العراق، الأهمية الكبيرة التي يحظى بها هذا البلد في خارطة الأولويات الأمنية في المنطقة.