هل يطمح «حزب الله» في لبنان الى صيغة تفاهم مع سنة ودروز موالين لسورية وايران، على غرار التفاهم الذي تم بينه وبين «التيار الوطني الحر» الذي انشأه صهر الرئيس اللبناني جبران باسيل لتغيير صيغة التوازن الطائفي في لبنان؟
وهل يتطلع السيد حسن نصر الله الى ان يصبح هذا التوازن بثلث للمسيحيين وثلث للشيعة وثلث للسنة تابعين لنظامي ايران وسورية؟
كتب السفير الاميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان لمؤسسة بروكنغز الاميركية العريقة مقالاً بالغ الاهمية عنوانه «حزب الله انجح ما صدرته الثورة الايرانية وهو الآلية الاهم للقتل والتخريب في المنطقة ودوليا»، ويرى فيلتمان ان مثل هذا التغيير اذا حصل يضمن لـ «حزب الله» بشكل دائم ودستوري ثلثاً معطلاً لكل قرارات الحكومة والبرلمان».
مما لا شك فيه ان «حزب الله» اليوم هو في لبنان صاحب التعطيل وصاحب القرار بتغطية الذين يعدون انفسهم ليكونوا في سدة الرئاسة. واصبح له دور كبير في ضمان بقاء الرئيس السوري لكونه كان حاميه. والآن ابلغنا الأمين العام للحزب انه سيحمي ايران من الضربات الاسرائيلية في سورية. فتحول «حزب الله» حسب هذا المنطق الى قوة موازية للقوة الروسية في سورية. وفي لبنان جاءنا الحزب ببدعة اللقاء التشاوري لتعطيل تشكيل الحكومة، ليس لانه لا يريد حكومة بل لانه قرر اختيار مجموعة نواب سنة تابعة لايران وللنظام السوري كتغطية سياسية لنفوذه، على غرار التغطية المسيحية المتمثلة بالتفاهم مع «التيار الوطني الحر». فالحزب ينقل نموذج نظام الاسد في البحث عن موالين سنة ومسيحيين، لكنه قد يكون بحاجة الى تشكيل حكومة في لبنان يكون رئيسها سعد الحريري، فهو مدرك ان كل مساعدات الغرب ومؤتمر سيدر تسقط اذا استبدل الحريري بسني موال له. وهو يعطل على رغم انه بحاجة الى حكومة ليظهر ان لديه بدائل سنة، لكن بدائله لا يمثلون اي قاعدة شعبية لدى هذه الطائفة لكونهم من صنع «حزب الله». واصرار الحزب على الحصول على وزارة الصحة هو لحاجته الماسة الى الاموال التي تدخل من هذه الوزارة. فايران اليوم تحت عقوبات اميركية وتعاني من مصاعب مالية كبيرة، ما يؤثر على موازنة «حزب الله» ورواتب مقاتليه الذين يحاربون في سورية دفاعا عن النظام.
ان تشكيل الحكومة في لبنان لن يحل مشاكل البلد الضخمة والعميقة، فالبلد يحتاج الى الاصلاحات الضرورية، والطبقة السياسية في البلد خيبت آمال اللبنانيين لانها مسوؤلة عن تدهور اوضاعه المعيشية الكارثية والبيئية والتعليمية، وعلى رغم ذلك هناك بصيص امل بتشكيل الحكومة من اجل تنفيذ قرارات مؤتمر سيدر الذي يبتعد مع كل يوم يتم فيه تأجيل التشكيل، والدول الصديقة مثل فرنسا تتخوف من انهيار مالي مع انفجار تراكم الدَين.
«حزب الله» يريد سعد الحريري على رأس الحكومة لانه يعرف ان مساعدات الغرب للبنان لن تأتي اذا انسحب الحريري، وفي الوقت نفسه يبحث ايضاً عن تغطية سنية موالية له ضد الحريري تتضمن دروزاً تابعين لبشار الاسد. والاسد يسعى الى اضعاف الزعامة الدرزية الوحيدة الممثلة بوليد جنبلاط، علماً أن نظامه فشل في القضاء على هذه الزعامة بجريمة اغتيال كمال جنبلاط الذي حافظ على ارثه ابنه وليد.
ولسوء حظ لبنان انه طالما هناك مسيحيون وسنة ودروز يهرولون لتفاهمات مع حزب ينفذ تدخلاً وتخريباً ايرانياً في المنطقة، من لبنان الى العراق وسورية واليمن، لن يساهم ذلك لا في استقرار هذا البلد ولا في انتعاشه. فالمحور الايراني السوري الروسي يظهر للبعض انه الاقوى اقليمياً، لكنه الاضعف داخل بلدانه، والدليل على ذلك الاوضاع الاقتصادية والمعيشية في الدول الثلاث.
قوة السلاح تعطي نفوذاً، لكن الافلاس والبؤس والتدهور المعيشي تسقط هذا النفوذ عاجلا ام آجلا بعد الخراب.