في الحوار التلفزيوني مع قناة "الميادين"، قدم الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، نفسه بصفته ناطقاً رسمياً بإسم محور دمشق وطهران وشريكا في صنع قرار الحرب والسلم في العاصمتين. وهي المرة الاولى التي يؤذن فيها لحليف لبناني القيام بهذا الدور البارز، المبني أساساً على سجال مباشر خاضه مع إسرائيل، ومع رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو ومؤسستها العسكرية، هدفه ردعهم عن الدخول في حرب جديدة مع لبنان.
لكن مفارقة السجال، الأقوى من نوعه منذ سنوات، أنه كان مبنياً على تحذير نتنياهو من مغبة إرتكاب حماقة أو الوقوع في خطأ في الحساب، مع أن المنطق العسكري والسياسي يقتضي تشجيع العدو على إرتكاب الحماقات والوقوع في الاخطاء.. كما أنه كان مستنداً الى يقين نصر الله بأن الحرب المقبلة مع إسرائيل ستكون مع محور المقاومة برمته، وهو ما لم تثبته يوماً الحروب اللبنانية السابقة مع الاسرائيليين، وآخرها حرب العام 2006، التي تفرج عليها السوريون والايرانيون من بعيد، ولم تدعمه الوقائع السورية الاخيرة، التي كانت إسرائيل ولا تزال تتدخل فيها من دون حسيب أو رقيب.
في سياق هذا السجال، كشف الناطق بإسم محور المقاومة الكثير من الاسرار ، وفك الكثير من الالغاز، ولعل أهمها توضيحه ان الغارات الاسرائيلية المتلاحقة على سوريا هي بمثابة ألعاب نارية ، بلا أي قيمة وبلا أي جدوى. صحيح أنه كان شائعاً، عن طريق الهمس، أن الاسرائيليين يقومون سلفاً بإبلاغ الروس بأنهم سيوجهون أي ضربة جوية ضد المواقع الإيرانية في سوريا، ليس من أجل تفادي الصدام الروسي الاسرائيلي، بل من أجل الطلب من الايرانيين إخلاء تلك المواقع المستهدفة. لكن نصر الله شرح هذا "التفاهم" الضمني الذي يرعاه الكرملين، بأنه ينص على أن تمتنع إسرائيل في غاراتها الدقيقة عن قتل أي إيراني، ثم بات يشمل في مرحلة لاحقة أن تمتنع أيضاً عن قتل أي عنصر من حزب الله.. لا سيما بعد الخطأ الذي ارتكبته إسرائيل في الغارة الشهيرة على قاعدة "تي فور" الجوية السورية التي قتل فيها ضابط إيراني لم يعرف الطيارون الاسرائيليون بوجوده مسبقا.
وهو سرّ بالغ الدقة والاهمية، يفرغ الضربات الجوية الاسرائيلية من محتواها ويحيلها الى إستعراض عسكري إسرائيلي مثير، هدفه تهريب نتنياهو من تهم الفساد وتوفير غالبية برلمانية لحزبه ، ليكود، في الانتخابات المقبلة، وربما أيضاً ضمان تعميق تقاربه مع السعودية والامارات.. وهو ما يعني ان الحلف الاسرائيلي العربي في مواجهة إيران مبني على الخداع وعلى الغارات التي تكاد تكون، حسب سياق كلام نصر الله، وهمية، تشبه الغارات التي تنفذها إسرائيل ليل نهار في الاجواء اللبنانية.
ولذلك، يكتسب التهديد الذي أطلقه المتحدث بإسم محور المقاومة بقصف تل أبيب بالصواريخ الدقيقة ،التي يمتلك الحزب منها ما يكفيه ويزيد، أو بنقل الحرب المقبلة الى الجليل، بعض الجدية.. وإن كان الخداع الاسرائيلي على الجبهة السورية، لا بد أن ينسحب بالضرورة على الجبهة اللبنانية. ليس من سبب لدى إسرائيل التي تمارس التضليل في سوريا، كي تكون جادة في إستعراضاتها العسكرية في لبنان. والكل يعرف أن كذبة أنفاق التهريب المحفورة منذ ما قبل العام 2000، وكذا كذبة مصانع ومخازن الصواريخ الدقيقة، ليست مبررات حرب، بل هي معدلات مرتفعة في إستطلاعات الرأي الاسرائيلية.
اما الاسرار الاخرى التي كشفها في ما يخص الانسحاب الاميركي من سوريا والحوار الذي دار بين واشنطن وموسكو وطهران ودمشق حوله، فهي صحيحة مئة بالمئة، وكذا الاتفاق بين الاميركيين وحركة طالبان الذي أورده نصرالله حرفياً، كما تلقاه على الارجح من القيادة الايرانية، قبل الاعلان عنه رسميا في كابول او الدوحة او واشنطن. لكن المشكلة أن نصر الله الذي يعلن هزيمة أميركا المعروفة منذ العام 2011، ما زال يتجنب تسمية القوى التي هزمت الاميركيين في أفغانستان وفي العراق.. ويكرر الخطأ الفادح إياه بأن اميركا تخرج الآن خائبة من سوريا ، مع أنه لم يكن لديها مشروع سوري، ولم يكن لديها شريك سوري، ولم يكن لديها خصم روسي طبعاً.. وبالتالي لم يكن لديها دور فعلي في "الحرب الكونية" على نظام يجاهد الكون كله اليوم من أجل إعادة تأهيله.