تجنّبت بغداد التصعيد في حادثة مقتل محتج عراقي بنيران تركية في مدينة دهوك بإقليم كردستان العراق، فيما حمّلت سلطات الإقليم، حزب العمال الكردستاني الذي تصنّفه أنقرة جماعة إرهابية مسؤولية ما سمّته “حرف” مسيرة للتنديد بالقصف التركي لبعض المواقع في شمال العراق، إلى مهاجمة قاعدة عسكرية تركية.
وتختلف حسابات الحكومة المركزية العراقية عن حسابات سلطات إقليم كردستان العراق، بشأن العلاقة مع تركيا، لاسيما ما يتعلّق بالتدخلات العسكرية التركية المتكرّرة داخل الأراضي العراقية، والتي حوّلتها أنقرة إلى تواجد دائم لقوّاتها في بعض المناطق على غرار بعشيقة في شمال شرق مدينة الموصل مركز محافظة نينوى بشمال البلاد، حيث تحتفظ تركيا بقاعدة عسكرية أنشأتها دون مواقفة السلطات العراقية وترفض إخلاءها.
وتشعر بغداد بالحاجة إلى علاقات جيدة مع أنقرة والتعاون معها في ملفات مهمّة مثل ملفّ الأمن وملف المياه، بينما تريد سلطات إقليم كردستان العراق استعادة حرارة العلاقة التي كانت تجمعها مع تركيا قبل تنظيم استفتاء على استقلال الإقليم أغضب السلطات التركية ودفعها إلى التنسيق بقوّة مع إيران والحكومة المركزية العراقية لإحباط المسعى الانفصالي الذي وقف خلف تنظيمه.
وتنفّذ تركيا، غارات متقطعة، ضد مواقع في شمال العراق، تقول إن حزب العمال الكردستاني المصنّف من قبلها تنظيما إرهابيا، ينشط فيها، لكن السكان المحليين يقولون إنّ الضربات الجوية كثيرا ما تستهدف قراهم وتدمّر ممتلكاتهم وتوقع ضحايا في صفوفهم.
ومساء السبت، نظم حشد من سكان بلدة شيلادزي الحدودية بمحافظة دهوك، تظاهرة للتنديد بقصف تركي أوقع ضحايا بين المدنيين، مطالبين أنقرة وحزب العمال الكردستاني تجنيب المناطق الحدودية العراقية هذا النزاع. وقال مشاركون في التظاهرة، إنها كانت سلمية ومرخصة من قبل السلطات الإدارية في المنطقة، قبل أن يُغيّر بعض المشاركين فيها اتجاهها نحو معسكر تركي يقع بالقرب من المناطق الحدودية مع تركيا حيث أحرقوا آليات عسكرية قبل أن يتم فتح النار عليهم وقتل أحدهم، وإصابة آخرين.
وأدانت الخارجية العراقية، الأحد، الرد التركي معتبرة أنّ “سيادة العراق وأمن مواطنيه يقعان في المقام الأول ضمن مسؤوليات الحكومة العراقية”.
واكتفت بغداد بهذا الموقف، فيما اعتبره مراقبون تجنبا للتصعيد، في ظل الظروف المعقدة التي تشهدها المنطقة.
وبدا أن علاقات العراق بتركيا، تشهد تحسنا ملحوظا، مع وصول برهم صالح وعادل عبدالمهدي إلى موقعي الرئيس ورئيس الوزراء في بغداد، فيما تواصل أنقرة حث العراق على طرد مقاتلي حزب العمال من أراضيه.
وحمّل رئيس حكومة إقليم كردستان، نيجرفان البارزاني، حزب العمال الكردستاني، مسؤولية أحداث شيلادزي، مشيرا إلى أن “القصف التركي لم يكن يحدث في تلك المناطق لولا وجود مقاتلي الحزب”.
وبدا أن البارزاني يدافع بوضوح عن أنقرة، عندما قال إن “القصف التركي لم يستهدف قرى إنما مواقع يقوم حزب العمّال بتدريب مقاتليه فيها لشن هجمات على تركيا”. وقبل تصريحات البارزاني، وزعت حكومة إقليم كردستان بيانا قالت فيه “نعبر عن قلقنا وحزننا جراء وقوع خسائر في الأرواح وجرحى في الأحداث التي شهدتها منطقة شيلادزي، كما نعرب عن تعازينا ومواساتنا لذوي وعائلات الضحايا”، مضيفة “هناك أياد تخريبية تقف وراء هذه الأحداث، لذا فإن الأجهزة المعنية تجري تحقيقات دقيقة لمعاقبة المخربين ومثيري الشغب”
في غضون ذلك، قال وزير الخارجية التركي، معلّقا على هذه التطورات “سنتابع عن كثب التحقيقات الشاملة التي ستجري حول الجهات التي تقف خلف الاستفزازات”.
ومن جهتها، دعت لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، حكومتي بغداد وإقليم كردستان لدراسة الوضع وإخراج القوات غير العراقية من أراضي البلاد، مشددة على ضرورة فتح حوار مع تركيا لضمان عدم استمرار القصف.
ويقول رئيس دائرة الاتصالات في الرئاسة التركية، فخرالدين ألطون، إن “المعتدين على القاعدة التركية بمحافظة دهوك شمالي العراق اندسوا بين المدنيين بهدف تعكير صفو العلاقات بين الجيش التركي والأهالي”.
ويقول مراقبون إن بغداد لن تجازف بالتصعيد ضد تركيا في هذا التوقيت، الذي يشهد تزايد الضغوط الأميركية على العراق للالتزام بتنفيذ العقوبات المسلّطة على إيران.
ويضيف هؤلاء، أن هناك شيئا من التطابق بين موقفي بغداد وأنقرة، إذ تجنبتا مواجهة بعضهما البعض في هذه الحادثة، ما يشير إلى نوايا متبادلة بعدم التصعيد.