في ظل التخبطات السياسية الراهنة، والأزمات الإنسانية المتفاقمة، والموت الذي تفشّى بالفقراء على ابواب المستشفيات، وخاصة في طرابلس والجوار.كان لا بد لبعض " النافذين" في بلدية فنيدق من استغلال فرصة انهماك الناس بمشاكلهم المعيشية، لإصدار قرار يحظر بيع المشروبات الروحية في البلدة وخاصة منطقة القموعة "السياحية" ومنع أي زائر من الشرب في الأماكن العامة، وقد استند القرار إلى استغلال أحكام بعض المراسيم، وعمدوا الى كتابة عريضة من "أئمة وخطباء ودعاة" فنيدق القموعة وتقديمها إلى البلدية التي لجئت من جهتها إلى اصدار هكذا قرار.
وفي اتصال مع نائب رئيس البلدية "السيد حسن أبو بكر" للإستفسار عن حقيقة الأمر أجاب: "إنه مطلب "شعبي" صادر من علماء ومشايخ البلدة الذين عقدوا إجتماعاً وقدموا عريضة موقعة من جميع "الخطباء" في البلدة".
وفي سؤالنا ما اذا كان رجال الدين وأئمة المساجد هم من يقررون باسم ابناء البلدة منع أو إقرار ما شاء لهم باسم الجميع، وماذا عن رأي الناس وأصحاب المطاعم والمحلات؟ أجاب :" إن المنطقة كلها محافظة وليس هناك أي بيع للخمور داخل المطاعم نهائياً، إلا أنهم يسمحون للوافدين من خارج إطار المنطقة إلى احضار مشروباتهم معهم، وظهر نوع من الإحتكاك بأولئك الذين يشربون وتدخلت البلدية بهذا الموضوع ولجئت إلى القانون، الذي برأيه، يسعى إلى منع مثل هذه "الإحتكاكات"، ووثق كلامه ببند القانون 84 وهو قانون البلديات الذي يسمح لرئيس البلدية أن يصدر قرار بمنع الخمر والتسول وغيره...
وبالعودة إلى أحكام المراسيم التابعة لهذه المعطيات، يتبين لنا أنه لا يوجد أي نص واضح يعطي صلاحية لأي بلدية بمنع البيع أوالشرب إذ كان مرخصاً، فبحكم اختلاف الطوائف والحريات العامة والشخصية أعطى القانون حقاً بمنع "حالات السكر" واتخاذ إجراءات حولها وليس "منع الشرب"، فما يحق للبلدية ضمن نطاق صلاحيتها هو أن تصدر قرارات تعتبرمن قبيل المحاسبة وليس المنع.
بادرنا إلى سؤاله بناء على ما سبق، إن كان هناك تسجيل لأي محاولة إعتداء أو مشاكل من قبل "شاربي الخمر داخل المطاعم"، وهل بإمكان أي حامل للواء ديني أن ينشئ عريضة وكتاب ويضغط على البلدية لإصدار "فتاوى" بحق بلدة بأكملها أجاب: " نحن علينا أن نحترم خصوصية كل طائفة وهناك الكثير من القرارات التي اتخذت في مناطق أخرى غير قانونية وطُبقت، أما نحن فلقد عمدنا إلى جناح القانون لتأمين راحة وأمان المواطنين". وفيما يخص الإعتداءات قال: " انا على تواصل يومي مع شرطة البلدية التي تسجل يومياً عشرات المخالفات والمشاكل حول هذا الموضوع وأخرها حادثة تكسير أحد "السكرانين" لسيارة". فلماذا لم نسمع بها من قبل يا ترى؟
وأضاف:" نحن سرعنا إلى منع حالة الشرب "علنياً" لأن المنطقة تشهد حالة استقطاب سياحي، وخوفاً من ازدياد المشاكل لأن "عم بصير سِكِرْ بالمنطقة" وهذا يسيء إلى طابع المنطقة الديني، فلمصلحة الضيوف والزوار اتخذنا هذا القرار. فهل الشرب "بالمخفي" مشرّع؟
وبعد التحقيق واللجوء إلى أحكام القوانين المتعلقة بقوانين البلديات، يتبين لنا أنه ليس هناك أي نص أو مادة واضحة تعطي صلاحية لبلدية باتخاذ أي قرار " يمنع منعاً باتاً البيع والتعاطي بالمشروبات(الروحية) في المطاعم والمقاهي أو بالأماكن العامة". فكيف إذا كانت ذات طابع سياحي؟؟
وبالتالي يحق لأي مواطن الشروع إلى الطعن بأي قرار تعسفي غير واضح وغير مستند إلى أحكام واضحة.
فهل أصبحت موضةً شائعة لرجال الدين وأئمة المساجد في بلداتنا استغلال هيبتهم الدينية واللجوء إلى المراسيم "الضيقة" لفرض أحكامهم "الرُسُلِية" على ما تبقى من التنوع والحرية بحجة المحافظة على أمن الناس؟. وهل أمن الناس اليوم يقتصر على زجاجة خمرٍ أو سهرة مطعم؟
وهنا نقف أمام معادلة خطيرة لا بد من العودة لها وطرح سؤال :" هل خدمت حملة " تكسير محل بيع المنكر العائد "لأحمد شهاب" في بلدة البازورية الذي تهجّرالأسبوع الماضي إلى ألمانيا" من السماح لأي إجتماع عقائدي في الجوامع من استغلال أحكام "متصدئة" من عام 1977 وفرضها على الحريات الشخصية؟ علماً أن قرية "السيد حسن نصرالله" لم تسمح بلديتها لأحد بقمع حرية البائع، واعتبرتها مصدر رزق لصاحب الرزق، لكن شهاب رأى بدوره أن "يكسر الشر" ويحافظ على محبة الجميع، وخوفاً على مستقبل بناته جراء التهديدات المتواصلة منذ سنوات، قرر ترك البلدة والوطن والهجرة إلى بلد أوروبي يحمي الحريات العامة بصفة "لاجئ إنساني" .
فإلى متى ستبقى صلابة الحريات الشخصية لوحاً لرجال الدين والنافذين بإزالة ما يحلو لهم واستبدالها بقرارات تحت حجة "قانون"؟