أعلن القائد العام لوحدات حماية الشعب الكردي سيبان حمو أن المفاوضات مع الحكومة السورية قد تنطلق خلال أيام.
وكان بوتين دعا خلال مؤتمر صحافي، عقب الاجتماع الذي جرى بنظيره التركي رجب طيب أردوغان الأربعاء، دمشق إلى الإسراع في بدء حوار مع الأكراد.
ومن شأن التفاهم بين الأكراد ودمشق أن يضمّ أكبر جزأين من أراضي الدولة التي مزقتها الحرب المستمرة منذ ثماني سنوات، وأن يقطع الطريق على الطموحات التركية في سوريا، وهذا مثار قلق كبير بالنسبة إلى أردوغان، وهذا ما يظهر في تصريحاته الأخيرة التي بدت متوترة.
وكان الأكراد قد سارعوا إلى إعادة فتح قنوات التواصل مع دمشق عبر موسكو، على إثر القرار الأميركي بالانسحاب من سوريا، في ظل خشية من هجوم تركي يستهدفهم.
وقال سيبان حمو “هناك محاولات لإجراء مفاوضات… موقف الحكومة السورية كان إيجابيا… نعتقد أن تبدأ في الأيام المقبلة”.
واعتبر أن تحرّك الولايات المتحدة للانسحاب كان متسرعا ولا يمكن أن يحدث بينما لا تزال المعركة ضد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية مستعرة.
وذكر حمو أن المبعوث الأميركي جيمس جيفري تحدث خلال زيارة في الآونة الأخيرة معه ومع مسؤولين آخرين عن إرضاء تركيا وحماية شمال سوريا في الوقت ذاته
ويشعر أكراد سوريا بخيبة أمل كبيرة من قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من سوريا، ويرون في ذلك تخليّا عنهم بعد الدعم الكبير الذي قدّموه في الحرب على تنظيم داعش.
ويتجنّب الأكراد مهاجمة موقف الولايات المتحدة على أمل أن تعدّل الأخيرة موقفها، أو أقلّه تضمن لهم عدم تعرّضهم لهجوم من تركيا، بالتوازي مع ذلك يكثفون اتصالاتهم مع الجانب الروسي للوصول إلى تسوية مع النظام السوري.
وتكمُن المشكلة بين أكراد سوريا ودمشق في أن الأخيرة تطالب باستعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية في المقابل فإنّ الأكراد يصرّون على تمكينهم من حكم ذاتي أو صيغة خاصة لإدارة المناطق التي يسيطرون عليها.
وكما هو معلوم فإنّ الطرفين ليسا في واقع الأمر خصمان لا بل إنهما حاربا معا قوى معارضة وإسلامية في فترات من الحرب السورية، وقد يشكل ذلك أرضية للتوصل على حل وسط، عبر تقديمهما لتنازلات.
ويرى متابعون أن روسيا قادرة على لعب دور بارز في هذا الإطار، بحكم أنها صاحبة النفوذ الأكبر على دمشق، كما أنه ليس لديها مشكلة مع الجانب الكردي رغم أنه شكّل خلال وقت قريب عنصرا أساسيا في استراتيجية الولايات المتحدة في سوريا.
ويشير المتابعون إلى إن حصول تفاهم بين دمشق والطرف الكردي سيضع تركيا في مأزق شديد لأنها ستجد نفسها محاصرة في مساحة ضيقة، ولا تستطيع فعل الكثير رغم امتلاكها لجيش جهادي في محافظة إدلب وأجزاء من حلب.
وجدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعوته الجمعة إلى إقامة “منطقة آمنة” على الحدود السورية “في غضون بضعة أشهر” وإلا فإن أنقرة ستتكفل بذلك لوحدها.
وقال أردوغان في خطاب نقله التلفزيون الجمعة “نتوقع أن يتم الالتزام بالوعد الذي قطع بإقامة منطقة آمنة لحماية حدودنا من الإرهابيين في غضون بضعة أشهر، وإلا فسنتكفل بذلك بأنفسنا”. وأضاف “للصبر حدود ولن ننتظر إلى ما لا نهاية بأن يتمّ الوفاء بهذا الوعد”.
وتُخفي تصريحات الرئيس التركي في طياتها حالة من التشنّج والامتعاض خاصة بعد فشل زيارته إلى روسيا حيث لم ينجح في إقناع نظيره الروسي فلاديمير بوتين بدعمه في إقامة منطقة آمنة شمال سوريا.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب اقترح في منتصف يناير الجاري إقامة “منطقة آمنة على طول الحدود مع سوريا” وهي فكرة دعّمتها تركيا التي تقول إنها مستعدة لتطبيق مثل هذا المشروع.
وبدا أن العرض الأميركي هو محاولة لإيجاد حلّ وسط بين أنقرة ووحدات حماية الشعب الكردي بعد إعلانه المثير للجدل في 19 ديسمبر عن قرار بسحب قوات بلاده.
وتعارض روسيا إشراف تركيا على هذه المنطقة التي يراد إنشاؤها على الشريط الحدودي السوري التركي الخاضع لنفوذ قوات سوريا الديمقراطية التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردي وتطالب موسكو بأن تتولّى الحكومة السورية المهمة.
وتعتقد موسكو أن لأنقرة غايات استراتيجية تتجاوز إبعاد وحدات حماية الشعب الكردي، عن حدودها، وهو السيطرة على كامل شمال سوريا وصولا إلى الحدود العراقية.
ولطالما اعتبرت أن تلك المنطقة تابعة لها تاريخيا وترى في الأزمة السورية فرصة مواتية لاستعادتها، أو أقله توطين قوى سورية مؤيدة لها ومعارضة لنظام الرئيس بشار الأسد.
ويتكرّس هذا الاعتقاد برفض تركيا الشديد لاستعادة الجيش السوري السيطرة على مناطق الوحدات الكردية في الشمال، الأمر الذي دفع روسيا إلى تسريع عملية التفاوض بين الوحدات ودمشق، لقطع الطريق على أي تحرك تركي قد يحدث.
وقال الرئيس التركي، في الخطاب الذي ألقاه خلال اجتماع تعريفي بمرشحي حزب العادلة والتنمية لرئاسة البلديات في ولاية أضروم إن “ما يجري في حدودنا مع سوريا وراءه حسابات تتعلق بتركيا وليس بسوريا”.
وجدّد أردوغان التأكيد على أن “اتفاق أضنة” المبرم بين أنقرة ودمشق عام 1998، يتيح لتركيا دخول الأراضي السورية عند حدوث أمور سلبية تهدد أمن تركيا. وأضاف “لسنا بحاجة لدعوة أحد، نحن ضمنّا بالفعل حق التدخل عبر اتفاق أضنة “.
والاتفاق المعروف باسم “بروتوكول أضنة” وقع في هذه المدينة التركية لإنهاء أزمة بين أنقرة ودمشق كادت أن تتطور إلى صراع مسلّح بسبب احتضان دمشق آنذاك لزعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان، المعتقل حاليا في تركيا.
وترى تركيا أنّ هذا البروتوكول يمنحها حق التدخّل على الأراضي السورية ضد حزب العمال الكردستاني وحلفائه في حال لم يتحرك النظام السوري ضدهم.
ويرى مراقبون أن أنقرة تريد اتخاذ من هذا الاتفاق مسوّغا لتدخل ليس بجديد في سوريا، لكنه سيكون الأخطر ليس فقط لجهة استهداف مكوّن سوري أصيل وهو الأكراد بل وأيضا لجهة ضرب وحدة سوريا وتقسيمها.
ويتعارض الطموح التركي مع موقف روسيا التي تدخّلت بشكل مباشر في المسرح السوري منذ العام 2015، لصالح النظام السوري لاستعادة توازنه ودعمه في السيطرة على كامل تراب البلاد.
ويرى محللون أن اتساع الهوّة بين أنقرة وموسكو بشأن المنطقة الآمنة ومَن المخوّل بالسيطرة على الأرض في شمال سوريا، قد ينسف مسار أستانة بأكمله الذي شكل الحاضن لتعاون تركي روسي إيراني أثمر عدة اتفاقات لعل آخرها اتفاق إدلب الذي بدا يترنح هو الآخر على وقع سيطرة هيئة تحرير الشام على كامل المحافظة الواقعة شمال غرب البلاد، فضلا عن أجزاء من حلب وحماة، مع أنه كان المفروض أن تتراجع الهيئة وتنسحب إلى الحدود مع تركيا، وفق ما يقتضيه الاتفاق.
وروسيا وتركيا على طرفي نقيض في سوريا، حيث تدعم موسكو الحكومة، بالمقابل تدعم أنقرة قوى المعارضة، ورغم ذلك نجحا في تأسيس قاعدة تعاون مثمرة بينهما، لكن هذا التعاون لا يمكن أن يصمد وفق محللين لأنه تكتيكي مرحلي وليس استراتيجيا.
ويقول مراقبون إن الولايات المتحدة بقرارها الانسحاب من سوريا وطرحها للمنطقة الآمنة نجحت في خلط الأوراق، والدفع بالعلاقة بين روسيا وتركيا نحو قطيعة قد تتسارع خطاها في حال نجحت موسكو في تحقيق التوافق بين دمشق والأكراد.
وذكرت وكالة أنباء الأناضول الرسمية التركية الجمعة أن القوات التركية قصفت مواقع في منطقة تل رفعت في شمال سوريا لليوم الثالث على التوالي.
وتقع تل رفعت التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردي على بعد 20 كيلومترا إلى الغرب من عفرين التي تخضع لسيطرة تركيا منذ عملية عسكرية شنّتها أنقرة العام الماضي بهدف طرد الفصيل الكردي من المنطقة.